الدولة.. والأسمنت.. والدرس!

كنت أسعد الناس بذهاب الرئيس إلى قمة العشرين فى اليابان، ليس لأنه من المهم أن تتواجد مصر فى هذا المحفل الاقتصادى الأعلى عالميًا.. فهذه مسألة مفروغ منها.. ولا لأن الرئيس هناك لم يكن يمثل مصر وحدها، وإنما كان يمثل إفريقيا كلها بحكم رئاستنا الحالية للاتحاد الإفريقى.. وهذه بدورها حقيقة كانت ساطعة فى الكثير من لقاءات رأس الدولة المصرية على هامش أعمال القمة!.

كنت أسعد الناس لسبب آخر تمامًا، هو أن تواجدنا فيها على المستوى الرئاسى أتاح لنا أن نتعرف عن قرب على الأسباب الحقيقية التى خلقت من اقتصادات الدول العشرين أقوى عشرين اقتصادًا فى العالم!.

هناك أسباب كثيرة طبعًا، غير أن السبب الأول أن هذه الدول أتاحت منافسة اقتصادية شفافة على أرضها، وأطلقت العنان للقطاع الخاص يتنافس فيما بينه لتكون المنافسة فى النهاية لصالحها كدولة ولصالح المواطن معًا.. لصالحها لأن المنافسة من هذا النوع سوف تخلق رواجًا، والرواج سوف يساعد على المزيد من الإنتاج، والمزيد من الإنتاج سوف تتم ترجمته بالنسبة للخزانة العامة فى صورة ضرائب مضافة تتدفق عليها!.

ولصالح المواطن، لأن المنافسة تخلق رغبة فى التجويد، الذى لا يستفيد منه طرف من أطراف العملية الإنتاجية كلها كما يستفيد المواطن على مستواه!.

أتاحت الدول العشرون منافسة اقتصادية حقيقية، ولم تدخل هى كمنافس، وهذا ما يتعين على الدولة هنا أن تنتبه إليه، وأن تلتفت إلى عواقبه!.

وربما تكون قصة الأسمنت هى القصة الأشهر فى هذا الملف، فالمستثمر الذى أحس فى هذه الصناعة بأن المنافس أمامه هو الدولة ذاتها، وليس مستثمرًا طبيعيًا مثله، غادر الساحة وانسحب فى هدوء، وكان انسحابه عن يقين بأن بقاءه سوف يجعله طرفًا فى منافسة غير متكافئة!.

والمثل الإنجليزى يقول إن المقارنة الطبيعية هى بين تفاحة وتفاحة، وليست بالتأكيد بين برتقالة وتفاحة.. ولا يختلف الحال عند المنافسة عنه عند المقارنة.. ففى قصة الأسمنت التى نافست فيها الدولة قطاعها الخاص، كانت هى التفاحة، وكان القطاع الخاص هو البرتقالة، ولم تكن المنافسة متكافئة بأى معنى، وكان بقاء هذا القطاع فيها يجعله فى مواجهة مع خسارة محققة!.

الصين التى تؤرق الولايات المتحدة هذه الأيام، كانت إلى سنوات قليلة ماضية هى الاقتصاد الثانى فى العالم، وكانت تقف وراء أمريكا واليابان، ولكنها أزاحت الاقتصاد اليابانى من طريقها، وصارت هى الاقتصاد الثانى بعد الأمريكى، وربما تتفوق عليه فى المدى الزمنى المنظور وتصبح رقم واحد!.

وكانت كلمة السر فى أنها لم تضع نفسها فى منافسة مع قطاعها الخاص، ولكنها فتحت أمامه الآفاق يتنافس كما يحب، وأخذت هى خطوة إلى الوراء تراقب وتنظم.. لا أكثر.. وعلينا أن نعى هذا الدرس، ثم نعمل به، ونترجمه فى حياتنا واقعًا حيًا!.

 

التعليقات