ظل من الحقيقة!

تلهث الصحافة كانت ولاتزال وستظل وراء (المانشيت) الساخن والتصريح الجرئ، الذى يلعب فى مساحة الندرة والمفاجأة تطبيقا للقاعدة الصحفية المستقرة التى يدرسها فى كل الدنيا طلبة كليات الاعلام (إذا عض كلب إنسانا ليس خبرا، وإذا عض إنسان كلباً فهذا هو الخبر).

بالطبع أنا أنتمى لنفس القبيلة ومتفهم الدوافع، التى توجه إحساس الصحفى للنقطة المثيرة، وهكذا قرأت فى الأيام الأخيرة أكثر من حوار مع النجم الكبير يوسف شعبان، وهو حقا أحد أهم الموهوبين فى فن الأداء، استوقفنى تكراره أن نجيب محفوظ قال إنه تفوق فى دوره (سرحان البحيرى) على يوسف بك وهبى (طلبة مرزوق) فى فيلم كمال الشيخ (ميرامار) المأخوذ عن رواية أديبنا الكبير، لا أتشكك أبدا فى ثناء نجيب محفوظ على يوسف شعبان، فهو يستحق، ولكن من يعرف نجيب محفوظ يدرك تماما أنه من المستحيل أن يوجه انتقادًا علنيًا لأحد، ممكن أن يصمت، ولكنه أبدًا لا ينتقد أو يجرح أو يقارن. قدم يوسف شعبان مفردات الشخصية الانتهازية بكل أبعادها كما تصورها نجيب محفوظ على الورق، مستحيل أن يضيف نجيب محفوظ الشطرة الثانية من الإجابة، لينال من يوسف وهبى قائلا إنه قدم (طلبة مرزوق) بأسلوب يوسف وهبى.

مع مرور الزمن كثيرا ما تختلط الحقيقة بالخيال، خاصة عندما يختفى من الحياة شهود العيان، يوسف شعبان أراد التأكيد على تفوقه فقرر أن يضع رأسه برأس عميد فن التمثيل العربى، الحقيقة- بعيدا عن التقديس الذى تعودنا ممارسته مع كبار مبدعينا- سر يوسف وهبى أنه كان قادرا على ينتقل بسلاسة لأى شخصية درامية، أنه أكثر نجومنا طوال التاريخ قدرة على كسر النمطية وفك شفرة كل الأدوار من (التراجيديا) إلى (الكوميديا) بأستاذية، فأين هو التنميط، تذكروا مثلا (غزل البنات) أو( شنبو فى المصيدة) أو (إشاعة حب) أو (ميرامار).

نجمنا الكبير يوسف شعبان بدأ رحلته فى مرحلة حرجة زمنيًا، نهاية الخمسينيات فى عز نجومية جيل رشدى أباظة وشكرى سرحان وفريد شوقى وكمال الشناوى وعمر الشريف وغيرهم، وعندما تجاوز مرحلة الشباب فى نهاية الستينيات، كان قد ظهر جيل جديد أصغر بنحو 10 سنوات من شعبان، يعبرون عن الشباب، يقف على قمته محمود يسن ونور الشريف وحسين فهمى، وهكذا وجد نفسه عالقًا بين جيلين، وهو ما يمكن أيضا أن ينطبق على صلاح قابيل، ولهذا لم تتحقق لأى منهما نجومية شباك التذاكر.

يقول شعبان إن رشدى أباظة كان يغار منه، ويذكر واقعة تطاول رشدى عليه فى إحدى السهرات، لا أنكر بالمناسبة انفلات رشدى فهو ينطبق عليه مقولة الكاتب الكبير محمد التابعى عن أسمهان (لا تستطيع أن ترى الكأس وهو فارغ، ولا تستطيع أن تراه وهو ملآن)، على عكس فريد شوقى، مستحيل أن يذهب للاستوديو إلا وهو متزن، بينما رشدى كان من الممكن أن يهدد بإطلاق النيران، لو لم يرتح لموقف ما، لا أستبعد أنه سخر من يوسف شعبان أو حتى تطاول عليه لفظيًا فى إحدى السهرات، كما يذكر يوسف شعبان، ولكن هذا لا يعنى أن لديه مشاعر غيرة، كان ولايزال رشدى هو نجم نجوم الشاشة العربية، وسيظل يوسف شعبان بالنسبة لى أحد أهم كبار نجومنا، إلا أن ليس كل ما يقوله بالضبط هو الحقيقة، فقط به ظل من الحقيقة!!

 

التعليقات