لو أمطرت السماء ذهبًا!
هل يصدق أحد أن مشروع قانون الإدارة المحلية، الذى يستعد مجلس النواب لمناقشته فى دورته الجديدة، مشروع عُمره ٢٢ سنة، وأننا نناقش فيه منذ عام ١٩٩٧، بينما المحليات عاجزة فى كل محافظة عن القيام بمهمتها فى حياتنا؟!.
حدث هذا فعلًا، وكان الدكتور محمد شتا شاهدًا عليه، عندما حضر ممثلًا للحكومة فى اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس الشعب آخر ٩٧!، والرجل واحد من بين أسماء قليلة لا يمكن مناقشة مشروع القانون فى غيابها.. فلا بد أن تكون حاضرة تبدى رأيها وتقدم خبرة السنين!، وقد نقلت عنه فى هذا المكان فى أكثر من مناسبة، الكثير من خبرته والكثير من تجاربه، باعتباره دارسًا للإدارة المحلية وممارسًا لها فى مدينة هنا وفى أخرى هناك، ثم موظفًا كبيرًا فى أمانة الحكم المحلى، لعل أحدًا ينتبه الى أن لدينا خبرات من الضرورى أن نستفيد منها وأن نبنى عليها!.
وإذا كانت الوزارة المعنية حاليًا هى وزارة التنمية المحلية، فلقد كانت فى وقت من الأوقات وزارة للحكم المحلى، وكانت فى وقت ثالث وزارة للإدارة المحلية، وكانت فى وقت رابع أمانة للحكم المحلى.. وليس لتغيير الاسم من حكومة لحكومة من معنى سوى أن الشكل فيما يبدو هو الأمر الذى يشغلنا، لأننا لو انشغلنا بالمضمون دون الشكل، لقلنا لأنفسنا منذ وقت مبكر إن هذا هو الجوهر الذى نريده، ثم بنينا عليه بشكل مباشر، ومضينا إلى غايتنا لا يعطلنا عنها شىء، ولا يمنعنا منها مانع!.
والدكتور شتا يخمن فى رسالة منه أن مشروع القانون الجديد، لن يخرج حسب ما هو ظاهر أمامنا عن احتمالات ثلاثة: منح المحافظ سلطات أوسع، مع أن المحافظين الحاليين لا يستخدمون السلطات التى يخولها لهم القانون.. أو توسيع سلطات المجالس المحلية وإعطاؤها حق الاستجواب، مع أن البرلمانات المتعاقبة تملك هذا الحق ولا تمارسه.. أو إعطاء المحافظات الاعتمادات المخصصة للاستثمارات كرقم مجمل، وهذا أمر جيد فى حد ذاته، ولكن عيبه الوحيد ندرة الكوادر التخطيطية بالمحافظات!.
ولو اقتصر الأمر على هذه الحالات الثلاث، فلن يختلف القانون الجديد عن القديم، من حيث قدرته على التأثير فى حياة المواطنين، لا لشىء، إلا لأن حصيلته هى بقاء نظام الإدارة المحلية دائرًا فى فلك المركزية!.
يتساءل الرجل: ماذا يمنع أن تتمتع مصر بنظام سليم للإدارة المحلية يحل ٩٠ ٪ من مشاكل المصريين الحياتية فى سنوات معدودة؟!.. ثم يقول: لو أمطرت السماء ذهبًا فلن يطرأ تحسن ملموس فى حياة الناس، إلا بنظام سليم للإدارة المحلية يرفع الظلم التاريخى عن المحليات بقدر ما يرفعه عن الناس!.