حبيبي الأسمر!
أكثر بلد في العالم غنى للسمراء هم المصريون، بينما الضمير الجمعى يقف على الجانب الآخر تماما، يعتبر أن البياض نصف الجمال، وبعد ذلك لا شىء يهم، حتى لو عجزت المرأة عن تحقيق أي درجات تذكر في النصف الثانى الذي يتجاوز لون البشرة، بياضها يكفى، وزيادة، ليغفر لها كل أنواع القصور، ربما بسبب هذا الإحساس الذي يغضب قطعا أغلبية النساء، ردد محرم فؤاد (أبحث عن سمراء)، بينما في حياته الشخصية، كانت عينه زايغة على البيضاء، أغلب زوجاته بيض البشرة.
لو تتبعت تاريخنا الفنى ستجد أن لقب الأسمر هو الأكثر اعتزازًا، أطلقوا على عبدالحليم حافظ في الستينيات «العندليب الأسمر»، وقبله بعشرين عامًا حصلت مديحة يسرى على لقب «سمراء النيل».
نتذكر مثلاً كيف أن أحمد زكى أول نجم أسمر في السينما العربية، لاقى في البداية صعوبات حتى وجد لنفسه مساحة على الخريطة السينمائية، استبدلوه في اللحظات الأخيرة بنور الشريف في فيلم «الكرنك» 1975 بسبب لون بشرته، المنتج الشهير رمسيس نجيب قال وقتها كيف يحب هذا الأسود سعاد حسنى، آخر ما يطمع فيه أن يلعب دور الجرسون الذي يقدم القهوة لسعاد في مقهى (جروبى)، وينتظر أن تمنحه بقشيش، حكى لى المخرج عاطف سالم كيف أنه قبل أكثر من 35 عاما فرض بالقوة اسم أحمد زكى على الموزعين في فيلمه «النمر الأسود»، لأنه كان من المستحيل طبعا أن يسند البطولة لنجم أبيض!!.
على الشاشة الصغيرة يبدو الأمر أشد ضراوة، حيث لا توجد على الشاشات العربية مذيعة ناجحة سمراء، عدد قليل من المذيعات ذوات البشرة السمراء، استطعن الدخول إلى عرين التليفزيون، لكن النجاح والجماهيرية الطاغية لم تتحقق بعد!!
لو تواجدت أوبرا وينفرى في مصر لن تتمكن من تحقيق أي قدر من التواجد الذي أحالها في العالم كله إلى إحدى أيقونات النجاح؟.
الانحياز إلى اللون الأبيض ظاهرة تجاوزت السور المحلى ولها بعدها العالمى، نجمات هوليوود أمثال السمراء هال بيرى- الحاصلة على أوسكار أفضل ممثلة قبل 14 عاما- صرحت بتلك العنصرية التي تكابدها في الحياة الفنية، ولو قارنت مساحة تواجدها بما حققته مثلاً زميلتها الشقراء نيكول كيدمان لاكتشفت فارقا شاسعا بينهما، وهو بالمناسبة لا يعبر عن فارق في الموهبة.
هناك قطعًا إحساس بالذنب لدى المصريين يعبر عن نفسه بهذا القسط الوافر من أغانينا، فلا نكف عن الغناء للسمر، عبدالحليم غنى بالعامية «أسمر يا أسمرانى» وبالفصحى «سمراء يا حلم الطفولة»، بينما صباح قالت مدافعة «أسمر أسمر طيب ماله» ومحمد قنديل يتغزل مرتين «أبوسمرة السكرة» و«جميل وأسمر بيتمخطر» والثلاثى المرح (يا اسمر يا سكر) ووضع عبدالوهاب موسيقى أطلق عليها (حبيبى الأسمر)، وإن كانت سعاد مكاوى قد أمسكت العصا من المنتصف «قالوا البياض أحلى ولا السمار أحلى»، إلا أن نجاح سلام أعلنتها مباشرة «شاب الأسمر جننى»، وجاءت فيروز لتقول بعقلانية «وقف يا اسمر في إلك عندى كلام»، حتى أغنية (فاتت جنبنا) لعبدالحليم ينهيها مرددًا (وقالت لى أنا من الأول بضحكلك يا أسمرانى)، ووصل بنا الأمر من فيض الإحساس بالذنب أن هناك من اعتقد أن أغنية (آه يا اسمرانى اللون)، بصوت شادية وتلحين بليغ حمدى وكلمات عبدالرحمن الأبنودى، كانت تتغزل في الأسمرانى جمال عبدالناصر!!