فنكوش!

تعددت المهرجانات السينمائية، وتراجع فى نفس الوقت مستوى الفيلم المصرى الجدير بأن يحمل اسم (المحروسة)، لديكم مثلا مهرجان (الجونة) استقطب أفلاما من الدول العربية للمسابقة الرسمية، وعجز عن تحقيق ذلك مصريا، غيابنا كان هو العنوان، ورغم ذلك أرفض تماما الدعوى التى يرددها البعض بأن المشاركة فى المهرجان أفضل من فضيحة الغياب، على العكس تماما فى الغياب بداية البحث عن علاج أنه الدواء المر الذى يجب أن نتجرعه.

الدولة فى السنوات الأخيرة لم تضخ أموالا لصالح الصناعة، لكن لدعم المهرجانات، وكأن الرسالة التى نريدها أن تصل للخارج هى أننا أقوياء، والدليل كل هذه المهرجانات السينمائية التى تتوالد بكثرة.

العديد من قضايانا السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والإعلامية نلجأ فيها لتلك الحلول التى تقدم رسالة عن القوة، بينما الحقيقة هى الضعف، إنه الحضور الذى له مذاق الغياب.

مصر هى واحدة من أوائل دول العالم التى عرضت أفلاما قبل نهاية القرن التاسع عشر، العالم عرف المهرجانات السينمائية نهاية الثلاثينيات، قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، مع (فينسيا)، وتكتشف فى بعض قصاصات الأرشيف، أننا منذ الخمسينيات وهناك رغبة لإقامة مهرجان سينمائى عالمى، جميل راتب هو أول من نادى بها، وهى معلومة لم تذكر كثيرا والرجل بيننا، لنعرف منه الكثير عن الملابسات، تأخرنا حتى 76 عندما تدخلت السلطة السياسية ممثلة فى الرئيس أنور السادات، ووقف داعما لإقامة مهرجان (القاهرة السينمائى الدولى) من خلال جمعية (كتاب ونقاد السينما) برئاسة كمال الملاخ، وذلك قبل أن تسبقنا إسرائيل.

الدولة من خلال رئيس الوزراء قررت إنشاء لجنة للمهرجانات، وتعددت تلك التظاهرات، وأغلبها تدعمها الدولة ماديا، باستثناءات قليلة مثل (الجونة)، وفى نفس الوقت أوقفت الدولة دعم الأفلام، عشنا قبل نحو ثلاث سنوات- وقبل تعويم الجنية- فى وهم كبير أشارت إليه كل الصحف بتوجيه دعم قدره 50 مليون جنيه لإنتاج الأفلام، سارعت وزارة الثقافة وقتها بإنشاء لجنة لبحث قواعد توزيع المنحة، وهل تسترد من المنتج أم لا؟ ثم اكتشفنا أنها مجرد (فنكوش)، لا توجد ورقة رسمية واحدة لدى وزير المالية تؤكد ذلك، رغم أن كل الصفحات الأولى للجرائد المصرية أشارت بعناوين عريضة للخبر منسوبا لرئيس الوزراء السابق.

السينما المصرية لاتزال تبحث عن فيلم يمثلها رسميا فى مهرجان (القاهرة)، وفى نفس الوقت (الفيل الأزرق) تصل إيراداته إلى 100 مليون جنيه، وهو قطعا يستحق توصيفا من أعلى، وليس الأعلى تاريخيا، لأن الحسبة يجب أن تخضع لعدد السكان والشاشات المتاحة، والقيمة الشرائية للجنيه وسعر التذكرة وغيرها، زيادة الإيرادات تدفع أصحاب رؤوس الأموال لتوجيه جزء منها للسينما، بعد أن شاهدنا فى السنوات الأخيرة انسحاب العديد من شركات الإنتاج، إلا أن هذا لا يكفى، هناك أفلام بطبيعة تكوينها لديها فرصة فى حصد الإيرادات، وأخرى لا تخاصم قطعا الجمهور، ولكن بناءها الفنى لا يمنحها قوة جذب تجارية، وهنا يصبح للدولة دور حيوى فى توجيه منح مالية لكى ترى هذه الأفلام النور.

الدعم الذى توجهه الدولة للمهرجانات ضئيل وبحاجة لدعم، هذه حقيقة، لكن عمق المشكلة يكمن فى تراجع المستوى الفنى لأفلامنا، وهو ما يجعلنا نلجأ لأبغض الحلال إعلان الغياب، فهل لا تستحق أفلامنا دعما أم أن قدرنا هو (الفنكوش)!!

tarekelshinnawi@yahoo.com

التعليقات