ترامب والأمريكيون
لمن يتصور أن حياة الأمريكيين اليومية متمحورة هذه الأيام حول محاولات عزل الرئيس دونالد ترامب، وأنهم يعضون أظافرهم قلقًا مما قد يحدث نتيجة ذلك، أو مما قد يحدث في حال لم يعزل ترامب، فهو مخطئ. ولمن يتصور أن تجمعاتهم اليومية ولقاءاتهم الاجتماعية لا حديث فيها إلا لتحركات ترامب الأخيرة في الملف السوري التركي، وأن فريقًا يدافع عن بقاء الوجود الأمريكي في شمال سوريا، وآخر يعارض بشدة، وثالثًا غاضب وحانق؛ لأن أمريكا باعت الأكراد، ورابعًا يرى أن "جحا أولى بلحم ثوره" وأن على الجنود أن يعودوا فورًا إلى الوطن، وخامسًا ينقب في ملف تحركات الوجود العسكري الأمريكي المباشر في الشرق الأوسط بين العراق وسوريا وغير المباشر في اليمن وليبيا فهو مبالغ.
المبالغة – أو فلنقل التركيز الإعلامي العالمي البالغ- على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الآخذة في قلب الأوضاع في منطقتنا رأسًا على عقب ليست منعكسة من قريب أو بعيد على تفاصيل حياة المواطن. ولا يوجد من يمضي وقت العمل في التنقيب في أغوار "فيسبوك" ليدون مواقفه العنترية من ترامب، أو يسهر الليالي ليخوض حروبًا افتراضية ضد من يعتنق وجهات نظر مختلفة أو يؤمن بضرورة اتباع تحركات مغايرة، أو يدخل في مبارزات فكرية رافضة للآراء المخالفة ورافعة راية التسييس والاستقطاب ونعت الآخر بالعبيد الخانعين ووصف المواقف الشخصية بالجهاد والنضال ورفع راية الحق وكلمته.
بالطبع هناك بين الأمريكيين من يجد نفسه منغمسًا بسياسات بلده ورئيسه، لكن ليس إلى الحد الذي يصنفه كمناضل شرس أو معارض مفترس أو حتى مدافع مندفع. الغالبية المطلقة تمضي قدمًا في حياتها اليومية وتفاصيلها الدقيقة بين عمل وترفيه ومشكلات معتادة. وحتى الانقسام الرهيب والاستقطاب الهائل الواضح على المنصات الإعلامية التقليدية من قنوات تليفزيونية وصحف وغيرها لا ينعكس بشكل مبالغ فيه على تفاصيل الحياة.
وللعلم، وبالعلم تقول لغة الأرقام إن نسبة الرضا الشعبي عن قيام ترامب بمهامه الوظيفية في شهر أكتوبر الجاري بلغ 39%، مسجلاً انخفاضًا بنسبة 1% عن معدل الفترة بين يناير 2017 حتى اليوم. وللعلم وبالعلم أيضًا، فإن نسبة الرضا الشعبي وصلت إلى 46% في منتصف أبريل الماضي وهي نسبة جيدة بالنسبة إلى أداء الرؤساء الأمريكيين بصفة عامة.
وللعمل وبالعلم أيضًا، فإن متوسط نسب الرضا الشعبي الأمريكي عن أداء رؤسائهم في الماضي بلغت 41% لأوباما، و55% لجورج بوش الأب، و48% لكلينتون، و64% لجورج بوش الابن، و47% لريجان، و30% لكارتر، و51% لنيكسون، و58% لجون كيندي.
وبلغة الأرقام أيضًا، فإن استطلاعًا لآراء الأمريكيين أجرته جريدة "يو إس إيه توداي" حول موقف الأمريكيين من قرار سحب القوات الأمريكية في شمال سوريا والتخلي عن الأكراد أوضح أن 36% يعارضون القرار بقوة، لكن في المقابل فإن النسبة الأكبر (64%) من الرأي العام مبعثرة بين التأييد بشدة، والتأييد إلى حد ما، وعدم التأييد إلى حد ما، و"لا أعرف". وهذه الأخيرة "لا أعرف" بالغة الأهمية. فمن يعتقد أن الرأي العام الأمريكي يستيقظ من النوم صباحًا ليتداول دور أمريكا في الشرق الأوسط، وأثرها في الشرق الأقصى، وموقفها من الدب الروسي، ويخلد إلى نومه وهو غارق في الجدال والنقاش والحروب العنترية حول أخلاقية أو عدم أخلاقية الوجود العسكري الأمريكي في بقاع عدة على ظهر الكوكب فهو مخطئ في اعتقاده.
كلمة أخيرة: أولوية صعود الطائرات على الرحلات المحلية الأمريكية لأفراد الجيش والمحاربين القدماء، ووجود أي منهم في مباراة رياضية أو احتفالات شعبية يستدعي منهم الاحترام والتبجيل والاحتفاء، ومراكز التجنيد والتوظيف للجيش الأمريكي موجودة في كل حدب وصوب بما في ذلك في المراكز التجارية والكرنفالات الشعبية.