لو لم تضحك أم كلثوم!

لماذا لم يلتقيا فنيًا أو إنسانيًا؟ أتحدث عن أصدق ضحكة عرفناها: نجيب الريحانى، وأعظم صوت عانق قلوبنا (الست)، فى ذكرى ميلاد نجيب الريحانى حاولت أن أمسك بخيوط الإجابة.

إنها الصورة الذهنية التى تسبق الفنان، والغريب أن أهل الفن غير محصنين من الوقوع داخل شرك تلك الصورة، التى تصدر لنا دائما أن حياة الفنان امتداد لأدواره على الشاشة، يعتقد البعض أن الدموع التى لا تُنسى هى تلك التى رأيناها تنهمر من نجوم التراجيديا أمثال يوسف وهبى وأمينة رزق وحسين رياض وعبدالوارث عسر وغيرهم، بينما الواقع يؤكد أن الدموع التى لا تغادر وجداننا هى التى رأيناها على الشاشة لنجوم الكوميديا.

هل يستطيع أحد أن ينسى مثلا نجيب الريحانى فى فيلم «غزل البنات» وهو يبكى عندما يستمع إلى محمد عبدالوهاب عندما كان يغنى وكأنه يعزف على جراحه (ضحيت هنايا فداه/ وح اعيش على ذكراه).

يبدو أن أم كلثوم اعتقدت أن الريحانى لا يعرف فى الدنيا سوى (القهقهة)، ولهذا عندما رأته بالصدفة لأول مرة وجهاً لوجه فى نهاية الأربعينيات بأحد الفنادق بالإسكندرية، لم تستطع أن توقف ضحكاتها، فما كان من «نجيب الريحانى» سوى أن انصرف غاضباً، ولم يتم التعارف بين قمتى الغناء والكوميديا فى مصر؟!

استمعت إلى أم كلثوم وهى تروى هذه الحكاية فى مذكراتها التى سجلها لها الإذاعى الراحل وجدى الحكيم، كان يبدو الندم من نبرة صوتها لأنها أغضبت الريحانى، تلك الواقعة تحيلنا مباشرة إلى الفارق بين الفنان والإنسان وهما فى العادة ليسا وجهين لعملة واحدة، ملامح الفنان التى تصدرها لنا الشاشة تحدد لنا إحساسًا يظل دوما فى أعماقنا، لا تتطابق بالضرورة مع حقيقة هذا الفنان، لو سألت كل نجوم الكوميديا، لاكتشفت أن ما يؤرقهم أن الناس بمجرد أن تشاهدهم تعتقد أنهم على أهبة الاستعداد لكى يروون لهم آخر نكتة، وكأنهم مخلوقون فقط للإضحاك والإمساك بالقفشات.

عندما أتأمل غضب الريحانى من أم كلثوم، قطعا لم تقصد إهانته، لكنه الارتباط الشرطى كما يطلق عليه علماء النفس، رأت أم كلثوم نجيب الريحانى، انفجرت ضاحكة، فانفجر هو غاضباً، هل لم يدرك الريحانى أن الأمر خارج عن إرادتها؟!!

لقاء العمالقة هو ما يتبقى مع الأيام، وكثيرا ما حرمنا من تلك الثنائيات، لأسباب مختلفة، مثلا إسماعيل يس وعبدالحليم حافظ، حالت النجومية الطاغية لإسماعيل دون لقاء مشترك، ولهذا كان عبدالحليم يفضل أن يشاركه عبدالسلام النابلسى، الذى يرضى بدور صديق البطل فى مساحة درامية أقل، وعندما عاد النابلسى إلى لبنان وتضاءل وهج اسم إسماعيل يسن، وكان على استعداد لأداء أى دور، أسند عبدالحليم، فى (معبودة الجماهير) الدور إلى فؤاد المهندس، فكر طلعت حرب رجل الاقتصاد المصرى فى الجمع بين أم كلثوم وعبدالوهاب فى فيلم غنائى، وتعثر المشروع، لأن أم كلثوم أصرت على ألا ينفرد عبدالوهاب بتلحين كل الأغانى، لم يذكر التاريخ أن هناك من حاول الجمع بين ثومة والريحانى، ربما لو لم تضحك (الست) لكان هناك كلام آخر!

 

التعليقات