الطعن الفكري بدون سكين..!
لم تعد المسألة مقارعة أو منافسة أو منازلة، إنما هي مسألة حياة أو موت. والحياة التي هي أقرب ما تكون إلى الموت ليست المبتغاة.
نبحث عن الحياة التي يبقى الإنسان على قيدها، وليس على هامشها فقط انتظاراً للموت.
الحياة علم وبحث وتقرب إلى الله حباً فيه وليس فقط خوفاً منه ومن العذاب والنيران والجحيم والثعبان الأقرع وعذاب القبر.
الحياة عمل طيب ليس فقط لتخزين الحسنات واكتناز الثواب بشكل يجعلنا كالتاجر الشره الباحث عن الربح وفوائد الثروات المكتنزة في البنوك، ولكن حباً في الإنسانية والتسامح وقبول الآخرين ومساعدتهم، بغض النظر عن عداد الحسنات وميزانها.
الميزان المنضبط هو الذي يجعلنا نكيل الأحداث كما هي وبوزنها الحقيقي، دون تلاعب حيث التهويل أو التهوين.
قبل ساعات، تم الإعلان عن هوية مرتكب حادث الطعن في حي "سترتهام" في جنوب لندن. سوديش عمان (20 عاماً) طعن ثلاثة أشخاص في شارع تجاري قبل أن تطلق الشرطة النار عليه وترديه قتيلاً.
المثير أن عمان تم إطلاق سراحه قبل أسبوع، بعدما قضى نصف مدة عقوبة تبلغ ثلاث سنوات وأربعة أشهر في "جرائم إرهابية".
كان عمان تحت مراقبة الشرطة وقت قيامه بالهجوم. والأكثر إثارة- وهو مربط الفرس في هذا المقال- هو نوعية الكتابات التي كان يرسلها لمجموعة تحوي أهله وأقاربه وصديقته على "واتس آب" والتي اكتشفتها السلطات في بريطانيا وقت كان عمره 17 عاماً.
ومن هذه الرسائل، على سبيل المثال لا الحصر، أن النساء الإيزيديات في الإسلام (بحسب مفهومه) مسموح بسبيهن واغتصابهن.
وأغلب الظن- والله أعلم- أن عمان كان يقصد مفهوم "التسري" والذي يفسره البعض من "علماء الدين" محتكمين إلى جوانب من "التراث" بأنه "من تسبى من النساء في حرب المسلمين ضد الكفار، وتكون متعة لمن تقع في سهمه من المسلمين، ولا يجوز له أن يجبرها على معاشرة غيره من المسلمين، وإن حملت وولدت منه، فلا يجوز بيعها، لأنه بذلك يفرق بينها وبين ولدها، وتصبح حرة بوفاة مالكها، وبذلك فإن ملك اليمين والاسترقاق له أحكامه وآدابه".
وتضمنت رسائل عمان التي أرسلها إلى صديقته على "واتس آب" أيضاً فيديوهات لقطع رقاب "الكفار"، داعياً إياها لقتل أهلها "الكفار".
وبحسب إحدى هذه الرسائل قال: "إن لم تتمكني من صناعة قنبلة لأن الأهل والأصدقاء أو الجواسيس يراقبونك، فخذي سكيناً أو مولوتوفا أو قنبلة صوت أو قودي سيارة، واهجمي على السياح الصليبيين، والشرطة وجنودها من الطاغوت، أو السفارات الغربية الموجودة في كل دولة على ظهر هذا الكوكب".
والسؤال هو: كم سوديش عمان لدينا على ظهر هذا الكوكب؟ وكم قرين جهاد وزميل فكر لعمان في بلادنا، ولا سيما بين الأجيال الجديدة؟
إذا كان الفكر الداعشي والإخواني والسلفي وأبناء عمومتهم لا يعبر عن نفسه بالضرورة عبر الطعن وقطع الرقاب، فإنه موجود ومتجذر لدى كثيرين، شئنا أم أبينا، اعترفنا أم لم نعترف. ليس هذا فقط، بل إن عملية زرع الفكر في الأدمغة الجديدة مستمرة.
وإذا كان حديث التجديد أو التحديث يزعج البعض، فلنتحدث عن عمليات رصد علمي واجتماعي وفكري لنوعية الأفكار التي باتت متوطنة في مصر.
ولنتحدث عن تشخيص أعراض وقياس مدى الانتشار وحجمه وعمقه.
وبعد الرصد والتشخيص والقياس، سيكون في مقدورنا معرفة إن كنا نحتاج إلى تجديد أم تجميد، رصد أم تجاهل، قلق أم اطمئنان!
سوديش عمان بفكره المشتق من جوانب من التراث كان تحت المراقبة حين فعل فعلته.
فماذا عن الكثيرين من أقرانه حولنا، ممن تمكنت منهم هذه الأفكار حتى النخاع تماماً، دون أن يطعنونا بسكين؟!
هم يطعنون المختلفين بسكين؛ استناداً إلى أفكار تتسلح بجوانب من التراث، ونحن نطعن في فكرهم مطالبين بالإنقاذ والمواجهة دون سكاكين أو قطع رقاب.