حسابات فى الخرطوم!

لا يجب أن ننسى أن الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادى فى السودان، التقى أول فبراير فى أوغندا مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وأن اللقاء كان مفاجئًا وبدون مقدمات، بقدر ما كان صادمًا لدى كثيرين داخل السودان وخارجه!.

أستدرك لأقول إن المفاجأة لم تكن فى اللقاء فى حد ذاته، ولكنها كانت فى توقيته الذى جاء بعد الإعلان عن صفقة القرن فى واشنطن بساعات!.

وعندما رد البرهان على الذين صدمهم اللقاء، قال ما معناه أن العوامل الحاكمة كانت هى مصالح السودان العليا.. وتمثلت هذه المصالح العليا فى أن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، كان قد اتصل برئيس المجلس السيادى، وصارحه بأن لقاء أوغندا سيساعد فى رفع بلاده من قائمة الإرهاب!.

ولم يكذّب الرجل خبرًا، وسارع إلى لقاء رئيس وزراء إسرائيل، لأن الجائزة التى وعده بها بومبيو كانت تنتظره، وكانت تتأرجح أمام عينيه!.. ولم تكن المشكلة فى اللقاء نفسه، ولكن المشكلة كانت فى أن يقفز البرهان فوق التزامات بلاده العربية، والتزاماتها الفلسطينية بالذات!.

ولا أستطيع الفصل بين لقاء الرجلين وبين موقف السودان مؤخرًا فى اجتماع الجامعة العربية، عندما تحفظ دون مقدمات أيضًا، على قرار عربى يتمسك بحصة مصر التاريخية فى مياه النيل، وبألا تصاب القاهرة بأى ضرر من وراء سد النهضة الإثيوبى!.

أربط من جانبى بين لقاء أوغندا، وبين التحفظ فى الجامعة، ليس على سبيل الإيمان بنظرية المؤامرة، ولكن على سبيل الإشارة إلى أن السودان مندفع إلى تحقيق مصالحه، بغير أن ينتبه إلى تداعيات اندفاعه، وبغير أن ينتبه إلى أنه يمكن جدًا أن يحقق مصالحه كاملةً، دون أن يتحلل من روابطه العربية مرة، أو روابطه المصرية مرةً أخرى!.. وإذا كان لقاء أوغندا هو الثمن الذى لا بد من دفعه، فى مقابل رفع الاسم من لائحة الإرهاب، فأخشى أن يكون التحفظ فى الجامعة هو الثمن الذى لا بد كذلك من دفعه، فى مقابل رفع عقوبات اقتصادية فرضتها الولايات المتحدة على الخرطوم أيام البشير!.

أخشى هذا وأفكر فيه.. وأتصور أن البرهان يستطيع رفع اسم بلاده من اللائحة، دون أن يفرط فى التزام فلسطينى فى عنقه لا سبيل إلى الهرب منه.. ويستطيع البحث عن مصالح له مع إثيوبيا، أو مع غيرها، دون أن يدوس فوق روابط مصرية سودانية عميقة عاشت قبله وسوف تعيش بعده!.

إذا كان البرهان قد راعى حساب السياسة فى لقاء أوغندا، وفى التحفظ على قرار الجامعة، فلقد سقط منه حساب التاريخ!.

التعليقات