قيمة فى هذه السيرة!

أخذ الدكتور جلال مصطفى السعيد قيمة أساسية عن والده، ثم عاش حياته من بعدها يحترمها ويعمل بها.. ومن يدرى؟!.. ربما كانت هى تحديدًا وراء انتقاله من عمادة هندسة القاهرة فرع الفيوم، إلى جامعة القاهرة نائبًا للرئيس، إلى جامعة الفيوم رئيسًا، إلى الفيوم محافظًا، إلى النقل وزيرًا، إلى القاهرة محافظًا من جديد، إلى النقل وزيرًا مرة أخرى!.

القيمة هى احترام قُدسية المال العام، والبداية كانت عندما عاد الوالد من عمله يومًا، ليكتشف أن القلم الجاف الخاص بعمله موجود فى جيبه، فأبى إلا أن يسارع الابن فى اللحظة لإعادته إلى موقع العمل.. كانت واقعة بسيطة فى مجملها، ولكنها كانت كبيرة فى معناها، وكانت موحية بالكثير من المعانى إلى الابن لاحقًا، عندما كان عليه أن ينتقل من موقع للعمل العام إلى موقع آخر!

قيمة أخرى هى التفوق الذى عاشه صغيرًا فى مدرسة المتفوقين، فقضى حياته فى مراحلها المختلفة يؤمن بأن التفوق لا يميز الطالب فقط، وإنما يمكن أن يميز الرجل كذلك فى مواقع العمل العام.. وأذكر أنى تحدثت معه تليفونيًا وقت أن كان فى القاهرة محافظاً، وسمعت منه وقتها أشياء مهمة تخص العاصمة، وكانت هذه الأشياء من نوع أنه يريد أن يقدم لها ما لم يقدمه محافظ سابق.. ومن الجائز أن يكون إقدامه على مشروع الأسمرات فى مواجهة التجمعات العشوائية شيئًا مما أراده لقاهرته وحققه!

وأظن أنه أصاب حين قرر أن يجلس ليكتب حياته فى كتاب صدر عن هيئة الكتاب تحت هذا العنوان: سيرة جلال.. وأظن أن حماس الدكتور كمال الجنزورى كان فى مكانه، عندما رحب بكتابة مقدمة للسيرة يقول فيها إن أهمية الكتابات من هذا النوع، أنها تنقل التجارب الحية من جيل سابق إلى جيل لاحق، وأن ذلك يفيد فى كل الأحوال، وينير جوانب من الطريق أمام القادمين عليه!.

ولقد وضع الدكتور جلال سيرته فى سياقها الصحيح، فقال إنها سرد لوقائع حياة كتب الله عليه أن يعيشها وليست تأريخًا، وأن التأريخ يأتى فى مرحلة لاحقة، وأنه لا توجد فترة من تاريخنا المعاصر فى أشد الحاجة إلى توثيق مجرد، قدر حاجة الفترة من ٢ أغسطس ٢٠١٢، وهو تاريخ وجود أول حكومة للإخوان فى مقاعد الحكم، إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ عندما أقصاهم الشعب عن السلطة!.

هذه فترة فاصلة فى تاريخ البلاد، وهى فعلًا فى حاجة إلى توثيق من نوع ما دعا إليه الرجل، لعل الخارج بالذات يلتفت إلى أن ما جرى فى ٣٠ يونيو كان نتيجة مبنية على مقدمات.. كما يقول أهل المنطق.. ولم يكن حدثًا ناشئًا من فراغ أو فى فراغ!.

التعليقات