نظرة لاحتفالات أكتوبر

تمر 47 عاماً على نصر أكتوبر العظيم والمنطقة تتبدل أحوالها وتتغير أوضاعها بشكل لم يكن فى البال، وإن كانت المؤشرات تقول إنه فى الحسبان! نصر أكتوبر وما سبقه من أحداث وحوادث سياسية وعسكرية واجتماعية ونفسية أثرت سلباً وإيجاباً على جموع المصريين لم يعد حاضراً، لا فى الأذهان أو فى الأعمال التوثيقية باستثناء عدد هزيل من الأعمال الدرامية التى لا يناسب محتواها الأجيال الجديدة شكلاً أو موضوعاً، ناهيك عن حفظ الأجيال الأكبر سناً لها عن ظهر قلب. تمر 47 عاماً على حرب غيرت توازنات المنطقة ومازالت تؤثر فى مجريات اليوم. وعلى الرغم من هذه السنوات الطويلة، إلا أننا مازلنا محبوسين مقيدين مضطرين لإحياء المناسبة بطرق أكل عليها الزمان وشرب ونام ولم يصحُ من نومه. جميل جداً أن يفرح الناس ويلجأوا إلى الطبل والزمر والرقص، لكن ما الفائدة التى يعود بها المحتفلون ومن تابعوا احتفالاتهم الميدانية بعد انتهاء اليوم؟!.

وما المعلومات التى أضيفت إلى خبراتهم الحياتية بعد هذه السويعات المرحة؟! المرح لا يضر، لكن ما يضر أن يكون بيننا ملايين الصغار (ومنهم من حضر الاحتفالات الراقصة) لكن لا يعرفون شيئاً عن أكتوبر. «حرب أكتوبر» هو مصطلح، لكنه يعنى حقبة تاريخية تمتد لسنوات قبلها وأخرى بعدها. مجريات الحرب، وبطولات المصريين أثناءها وقبلها، وحكايات التخطيط والأفكار المبتكرة التى مهدت الطريق للنصر ليست كافية. ويكفينا أن ننظر إلى ما جرى فى مصر وفى المصريين على مدار السنوات الـ47 الماضية. وليس خفياً على أحد أن هناك من قال إنه سجد لله شكراً بعد هزيمة يونيو 1967، ولم يكلف أحد خاطره بسبب هذا السجود الشاكر مثلاً لعله يساعد على فهم ما جرى لقطاع عريض من المصريين تصور أن الوطنية تتناقض مع التدين، أو تنشئة أجيال بأكملها على أن الوطن حفنة تراب وأن الوطن الحقيقى هو الدين وكأن المفهومين متعارضان. ولا يخفى على أحد أيضاً أن مفاهيم الوطنية لدى ما يزيد على ربع المصريين وهم الفئة العمرية المتراوحة أعمارها بين 18 و29 عاماً (ما يزيد على 20 مليون مصرى ومصرية) لم تعد تأبه لأغنية وطنية هنا أو كليشيهات كلامية هناك.

هذا لا يعنى أنهم ليسوا وطنيين، لكن مفهوم الوطنية لديهم لا تدغدغه أغنية أو تؤججه دعوة للتجمع والهتاف. وبين هؤلاء كثيرون ممن مازالوا عرضة للاستقطاب من قبل جماعات وقنوات ودول عرفت من أين تؤكل الكتف. تناول نصر أكتوبر العظيم يحتاج إلى تحديث شامل وعَمرة (بفتح العين) كاملة. حرب أكتوبر تستحق فهماً أعمق، وتحليلاً أوسع، وربطاً أشمل بما يجرى حالياً على الساحة العربية والعالمية وذلك دون صراخ أو موسيقى مهرجانات أو تجاهل أدوار لمن رحلوا مهما كانت الأسباب. حرب أكتوبر تاريخ وجغرافيا وماضٍ وحاضر ومستقبل.

(المصري اليوم)

التعليقات