الشاعر خالد الصاوى لا يزال يحلق على الشاشة!!
ضحكة من القلب، دمعة من القلب.. هذا هو خالد الصاوى، قلب يضحك ويبكى، الصدق عنوانه فى الحالتين، طفل يقترب من نهاية العقد السادس من عمره، بينما تسكن فى عينيه براءة الأطفال، التقيته قبل بضعة أيام فى (قصر السينما) بجاردن سيتى، حيث كان يعرض أحد أفلامه القصيرة (قصر نظر) الذى أخرجه فى بداية المشوار، لم يوقفه تباعد اجتماعى ولا احتراز طبى، وحضننى وأجهش بالبكاء، بعدها بلحظات كنا معا على المنصة نناقش الفيلم، فوجدته يملأ الدنيا بضحكاته.
هؤلاء الصادقون عندما يمتلكون أدوات التعبير ويمارسون مهنة التشخيص، ستتأكد أنهم لا يعرفون التمثيل بمعناه الحرفى، يعيشون الحالة الدرامية، تسقط لديهم أداة التشبيه كأن، ليسوا بحاجة إليها لأنهم قد أصبحوا بالضبط الشخصية.
حصد خالد الصاوى أرفع جوائز مهرجان الجونة (الإنجاز الإبداعى) بعد رحلة تتجاوز ثلاثة عقود من الزمان، منحت لاسمه قدرا كبيرا من الخصوصية، تنوعت فيها أدوراه، وامتلك فيضا من المرونة فى التعامل مع الخريطة الفنية التى تتغير دائما شفرة التعامل معها، إلا أن خالد تمكن من قراءتها جيدا، ولهذا ستجده دائما له مساحته مهما تغيرت المعادلات وتبدلت المواقع، يظل لخالد تواجده الساحر المشع على رقعة الفن.
حضوره يعنى أننا بصدد مجموعة من المواهب تمتزج فى بوتقة واحدة، هل هو الصاوى الشاعر، أم الصاوى المخرج السينمائى، لعله الصاوى المخرج المسرحى، هل هو الممثل، لن تنسى أيضا أنه المناضل الذى قال لا للتوريث فى عز زمن مبارك، ودفع الثمن، وعرقلوا مسيرته، إلا أن الموهبة الحقيقية تملك بداخلها كل عوامل البقاء.
عندما يقف أمام الكاميرا، سينما وتليفزيون، تكتشف أن العمق الحقيقى والبنية التحتية التى تسمح له بالتعبير ثم التحليق هو الشاعر، الذى ربما لم يعد فى السنوات الأخيرة يدون أشعاره على الورق، صار الآن يصطحب معه أوزانه وقوافيه ليعلو بها دوما أمام الكاميرا.
لم تقيده النجومية، ولا يعنيه حجم الدور، ولا ترتيب اسمه على (الأفيش)، فقط يبحث عن تلك الومضة المسكوت عنها التى تثير بداخله جذوة الإبداع، يلتقط ملامح الشخصية المكتوبة على الورق ليجسدها، أو التعبير الأدق يعايشها على الشاشة.. تابعوا مثلا فى السنوات الأخيرة أفلام شارك فيها مثل (الفرح) و(الأصليين) و(الفيل الأزرق) بجزئيه، و(الضيف) أدوار متعددة ومتباينة فى ملامحها، كما ستلاحظ أيضا أن المساحة الدرامية تختلف من فيلم إلى آخر، تارة بطلا لـ(الضيف)، وتارة ضيف شرف (الفيل الأزرق 2)، ناهيك عن تجاوزه على ترتيب كتابة اسمه على الشاشة، لن تجده أبدا طرفا فى تلك المعارك الخائبة التى تستنفد طاقة عدد من نجومنا خارج النص، كثيرا ما تكتشف أن البعض لديهم معاركهم بعيدا عن رقعة الإبداع، يستنفدون كل ما لديهم فى تفاصيل لا تعنى المتفرج فى شىء، إلا أنها تعنى كل شىء بالنسبة لهم.
بينما خالد الصاوى ليست لديه شروط مسبقة، فقط يبحث عن شخصية درامية تشحذ طاقته الكامنة للإبداع، يتمتع خالد بقدر من الجرأة فى اختيار أدواره، تأملوا هذا الموقف، سأعود معكم إلى دور قدمه عام 2006 وهو المثلى جنسيا فى (عمارة يعقوبيان).
قدم «الصاوى» شخصية رئيس التحرير (حاتم رشيد)، بينما تابعنا أكثر من نجم وقد رفض الدور لاعتبارات أخلاقية، تجاوز عددهم ربما سبعة نجوم، بينهم حسين فهمى وفاروق الفيشاوى ومحمود حميدة، بينما هو تعامل باحترافية، وحصل بعدها على أكثر من جائزة بينها أحسن ممثل من بيناللى (معهد العالم العربى فى باريس السينمائى).
وتتغير قناعاته وأفكاره مع مرور السنوات، فهو يصالح دائما الزمن، وتلك القيمة تمنح الممثل قدرة على البقاء طويلا أمام الكاميرا، مهما تقدم به العمر، يجسد على الشاشتين أدوارًا تليق بملامحه وعمره، يملك فيضًا من صراحة مع النفس، مدركًا أين هى خطوته التالية، وإذا أخفق فى الاختيار لا يكابر، يتعلم من الهزيمة كيف يصنع الانتصار.
لديه (قماشة) درامية واسعة، تجعل المخرجين يتوجهون إليه مهما تباينت الأدوار، قال لى المخرج محمد سامى: لو الأمر بيده لأصبحت كل أعماله القادمة بطولة فقط خالد الصاوى، فهو يمتلك غزارة فى التنويعات الدرامية تتيح له تقديم كل الأدوار، ولن يجد نفسه بحاجة إلى الاستعانة بنجم آخر.
فى التمثيل، توجد مدرستان، نثر وشعر، وخالد ينتمى لمدرسة الشعراء التى تضم وعبر التاريخ عددا قليلا جدا من الموهوبين، الذين يشعون فى قلوبنا نورا.
جائزة (الإنجاز الإبداعى) ليست أبدا هى مسك الختام، ستصبح بالنسبة له فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة الشحن، ليملأ دنيانا فنًا ووهجًا وألقًا.. الطائر لا يزال يحلق على الشاشة بعد أن صار محل إقامته الدائم هو الوجدان!!.
عن(المصري اليوم)