حتى أنت يا نيوتن!
صدمتنى الحلقة الأخيرة من (لعبة نيوتن)، بدت وكأنها تتنكر لكل ما وعدتنا به من قبل، فى هذا المسلسل الاستثنائى، البناء قائم على أن يقول تامر محسن كل شىء، بينما فعليًّا لا تستطيع أن تمسكه متلبسًا بقول أى شىء.
بناء المسلسل أكد أن الخروج عن (الكتالوج) ممكن، وأن الفنان المبدع يستطيع أن يحلق بعيدًا عن الأرض المسكونة بتلك البنايات الدرامية الشاهقة، التى أصبح الجميع يسكنون داخلها وتراكمت الطوابق المخالفة بعد أن صار الجميع يشبهون الجميع.
الحلقة الأخيرة لعبت مباشرة على كل المفردات التقليدية، مثل التشويق شاهدنا محمد فراج يذهب إلى المطار بصحبة إبراهيم، بينما منى تنهى إجراءات خروجها من النيابة لتلحق إبراهيم فى اللحظة الأخيرة.
تستعطفه حتى يعيد إليها إبراهيم، وفى حوار عن الحب من طرف واحد وعذاب فراج متذكرًا طفولته بعيدًا عن أمه، التى صنعت منه هذا الرجل المتزمت، المشهد التالى منى تحتضن إبراهيم وتلتقى حازم على باب المطار، قبلها شاهدنا سيد رجب يعلن أنه مسؤول عن زراعة الأفيون وهى الجريمة التى تؤدى إلى السجن المؤبد، ويقدم لنا محمد ممدوح فى شخصية النبيل الذى يؤرقه ضميره، النيابة تخلى سبيله ولكنه يريد التطهر، يترك لنا الباب مفتوحًا أمام حكم القضاء من البراءة إلى السجن على حسب تقدير القاضى لجريمة القتل، هل هى دفاع شرعى عن النفس أم قتل عمد؟، المتلقى كان متعاطفًا مع ممدوح فى هذا المشهد ولديه أيضًا أمل فى حصوله على البراءة والعودة إلى منى وابنه إبراهيم.
مشاهد الحديقة وآدم الشرقاوى ومايان يداعبان إبراهيم واللقطة الأخيرة نرى يد إبراهيم الممتدة فى انتظار المستقبل.
تورط تامر محسن فى الحلقة الأخيرة لأنه يريد لملمة كل الخيوط وتخلى عن سحر الإيحاء بتلك المساحات الحرة التى كان يتركها لنا لنكملها نحن، قرر أن يغلق بيده كل الأقواس.
حاول البعض من فرط التماهى مع المسلسل إضفاء قراءة سياسية متعسفة للنص، توحى أن منى زكى مصر ومحمد فراج الإخوان الذين حاولوا اختطافها، كل ذلك يبدو لى اجتهادًا فى الاتجاه الخطأ.
هناك قضايا مسكوت عنها وممنوع تمريرها رقابيًّا، استطاع تامر محسن أن يفعلها بنعومة مثل ارتداء الحجاب، شيخ الأزهر أقر أنه فرض وليس حرية، رغم أن كل ما نذكره من تاريخ شيوخنا الأجلاء يؤكد أنهم لم يفرضوه لا على زوجاتهم أو بناتهن فكيف يكون فرضًا؟.
تامر جعلنا نرى منى زكى بدون قناعة منها ترتديه، إرضاء لزوجها على الورق محمد فراج، الذى أعاد إبراهيم إلى أحضانها، لم تناقش كثيرًا أو قليلًا قضية الحجاب، ولكننا فهمنا لماذا ارتدته، ثانى علاقة بالحجاب عندما تكشف كذب فراج وتخلع الحجاب، وأجبنا نحن عن السؤال.
الذكاء الفنى والفكرى فى رسم الشخصيات وهامش المسكوت عنه هى سر سحر العمل الفنى بينما جاءت الحلقة الأخيرة وكأنها تريح المتلقى من عناء المشاركة فى رسم العديد من الخيوط الدرامية، أغلق تامر أقواسًا كان الأوفق لبناء المسلسل أن تظل مفتوحة، ليحدد المشاهد مصيرها.
ورغم كل ذلك نذكر أن (لعبة نيوتن) هو أجرأ عمل درامى مصرى ناقش قضية الحجاب بدون أن يقول كلمة مباشرة عن شرعية الحجاب، وجد ثقبًا فى جدار رقابتنا الصارمة استطاع أن ينفذ منه، تمكن أن يقول كل شىء دون أن يقول أى شىء، ووصلت الرسالة أو أظنها كذلك!!
(المصري اليوم)