كلام في العلم
كلما وجدت فى مكتبات أوروبا وأمريكا كتباً علمية فى خانة الأكثر مبيعاً، أتحسر على كتب الثقافة العلمية فى مصر التى بالكاد تبيع عشرات النسخ، لأن العلم ليس له زبون فى مصر، كلما شاهدت كتب دوكنز وهوكينج وتايسون وساجان مكتوباً عليها الطبعة العشرون والكتاب الذى وزع عشرين مليون نسخة.. إلخ، أعرف لماذا تقدم هؤلاء وتخلفنا نحن، أعرف لماذا كانت نظرة الحسرة فى عيون مستجير ومصطفى فهمى وأحمد شوقى وسمير حنا صادق وكل من خاض غمار الثقافة العلمية، لذلك سعدت أيما سعادة وأنا أقرأ كتاب «كلام فى العلم» للصديق د. سامح مرقس الصادر عن دار المحروسة التى أحييها وأحيى صاحبها فريد زهران على شجاعته فى التصدى لتلك المهمة التى صارت كالقبض على الجمر فى هذا الزمن، مهمة تبسيط الثقافة العلمية، د. سامح مرقس بخلفيته العلمية كأستاذ أشعة بشيفلد، وأيضاً باهتماماته الثقافية المختلفة، كتب هذا الكتاب بحب وحماس كفاتح شهية للشباب لكى يذهب ويطلع أكثر على تلك الموضوعات العلمية.
هو يستفز غدة الفضول ويستحث الرغبة فى المعرفة ليتغلب كل منا على كسله فى البحث عن مصدر تلك النعم التى تحيط به من كل جانب بسبب العلم.
تجول بنا د. سامح فى كل مناحى العلم، ليس بأسلوب المرشد الواعظ الذى يقدم الإجابة ولكن بروح الباحث الذى يتساءل معنا، تحدث فى الكتاب عن الكون والمجرات وكيف بدأ الكون وما الثقوب السوداء وكيف تموت النجوم؟، إنه الكون الضخم اللانهائى الذى نحن فيه على كوكبنا مجرد نقطة فى بحر، ومن هذا الاتساع الكونى الهائل يأخذنا المؤلف من المجرة للذرة، ثم يتحدث عن أهم العلوم، الفيزياء، وماذا حدث من تطور حتى وصلنا إلى فيزياء الكم الغريبة الغامضة؟
أما أجمل فصول الكتاب فقد كانت عن التطور، حكاية دراما الكائنات الحية، فيها كل مكونات الدراما، الصراع والتنافس والصعود... إلخ، تشابه الجينات فى الكائنات الحية، قرابة الحوت لفرس النهر وليس السمك، تشابه جنين الإنسان مع الخنزير، سيصحح د. مرقس معلوماتك عن أن الإنسان أصله قرد وهذه الهلاوس التى يتهمون بها النظرية التى باتت حقيقة لا جدال فيها، يسخرون منها لأنها تفضح هشاشة معتقداتهم وتسحب عصا السلطة من رجال الدين، ويتحدث بشكل علمى وعملى عن كيفية تأثير نظرية التطور فى مجال الطب والبيولوجيا، وكيف نرى الآن فيروس «كوفيد» وهو يتحور مثبتاً ذكاء وفراسة وعبقرية «داروين» أعظم علماء البيولوجى فى التاريخ، ثم يأخذنا المؤلف فى رحلة جميلة عن قصص أهم العلماء، فيحدثنا عن عبقرية «نيوتن» الفذة، وعن مثابرة ودأب «داروين»، وعن شجاعة جينر الذى أنقذ العالم من الجدرى وواجه كل سخرية رجال الدين بالتجربة وأفحمهم بالجهد، تحدث عن اليهوديين «سولك» صاحب تطعيم شلل الأطفال و«شينازى» صاحب السوفالدى، حكى لنا عن كم الإنسانية التى جعلت واحداً يرفض أن يأخذ دولاراً عن براءة اختراعه، والثانى لا يحمل أى ضغينة للبلد الذى طرده هو وعائلته ويهديه علاج المرض الذى أكل أكباد أبنائه، إنه كلام فى العلم وعن العلم أجمل عطايا الوجود.
"عن الوطن"