مذكرات مصرى قبطى فى فترة حرجة من تاريخ مصر
Tuesday, January 17, 2023 - 08:38
هذه سيرة ذاتية نادرة تمتزج فيها الحقائق بقليل من الخيال. تدور أحداث الحكاية عبر بضع سنوات قبل حرب 1973 وحتى نهاية عام 1974. الرواية بطلها معيد في كلية الهندسة من الطبقة الوسطى، أبوه لواء متقاعد، ودخله هو معاش يكاد يكفى حياته، ويعالَج من سرطان في الجيوب الأنفية. والمؤلف مثقف وقارئ للأدب ومعجب بشعر إبراهيم ناجى.
يصف بطلنا حياته في المبنى المتهالك لكلية الهندسة، وفى القاهرة الفقيرة النظيفة نسبيًّا، وكان والده يُجيد الإنجليزية ويقرأ في المساء، بينما يتناول كأسًا من الويسكى. لفتت نظره طالبة اسمها عايدة روفائيل، تحدثت معه بجرأة شديدة وبطريقة لفتت نظره، وطلبت منه أن يساعدها بالتدريس لها في شقة العائلة الفاخرة، واستمر يدرس لها، ثم خرج معها إلى كازينو على النيل، واستمرت العلاقة وتوطدت. بطلنا يجلس مع مجموعة من الشباب الضائع يفكر في السياسة والمستقبل والحب والزواج والخوف من عودة الإخوان. كان نادى الزمالك مكانه المفضل، حيث كان يمشى ويسبح، وكان هناك بار في النادى وبعض الفتيات يسبحن بالبيكينى. وكان هذا في الفترة التي حدثت فيها تحولات اقتصادية وتحولات في تفسير الدين الإسلامى أدت إلى تغيير جذرى في حياة وملابس المصريين.
ويتحدث عن مظاهرات الطلاب في هذه الفترة، والذين يطلبون إنهاء حالة اللاحرب واللاسلم وكيف حدثت مظاهرة وعايدة معه في المكتب، بينما البوليس ينقض على الطلبة بالقنابل المسيلة للدموع، ويُصاب بعضهم بإصابات بالغة. وبالرغم من تعاطفه مع الطلبة لم ينزل لمشاركتهم خوفًا على وظيفته، وكيف اجتمع مع مجموعة من الأصدقاء في هيلتون النيل. وكان بطلنا خائفًا من اعتقاله لتعاطفه مع الطلاب.
في عيد الفصح يحضر الأقارب والأصدقاء لتناول الطعام في بيت بطلنا، ويحضر عدد من الفقراء ليتناول كل منهم مظروفًا به نقود من الوالد، وفى النهاية تكون العائلة مفلسة. ويذهب إلى الأستاذ الذي يعمل في مكتبه مساءً يطالب بأجره المتأخر، فأعطاه بعض مستحقاته، ولكنه استغرب من هذا الأستاذ، الذي يتحدث دائمًا عن الاشتراكية ويقتر على العاملين معه. وأثناء الغذاء تحضر عايدة بدون ميعاد لتناول الغذاء مع عائلته، وفجأة تُصاب بدوار، ويأخذها بطلنا إلى منزلها، وتُنقل إلى مستشفى الأنجلو بالجزيرة لإصابتها بالتهاب بريتونى، وهو مرض لديها منذ الطفولة، وكان يعالجها طبيب إيطالى اسمه بيللينى، وعادت إلى المنزل بعد أسابيع.
الأحوال الاقتصادية كانت سيئة، الشباب تائه ويائس، وبطلنا كان حزينًا لأن عايدة سافرت مع أهلها لتمضى ثلاثة شهور في سويسرا، وظروف دراسة الماجستير متعسرة لنقص التمويل في الجامعة. وجاءت طالبة يونانية، أبوها وجدها مولودان بالإسكندرية، لتخبره أنهم يتوقعون الطرد من مصر. صديقه أنس مذهول لأن أمه الليبرالية المثقفة قررت أن ترتدى الحجاب الكثيف. اليأس خيّم على الجميع. وطلبت منه عايدة التدريس لها في فيلا لأحد أصدقائها في الهرم بعيدًا عن والدها، وفى أحد الأيام خرجا مع مجموعة من الأصدقاء إلى النادى اليونانى، وفى نهاية الليل أصابها ألم في البطن، وأخذها صاحبنا بعربته الفولكس البيتل إلى مستشفى الأنجلو.
وقدم صديق قبطى لأبيه من عائلة ثرية مساعدة لدفع تكاليف الماجستير، وقال إن رغبته هي أن ينهض جيل جديد متعلم تعليمًا متميزًا من الأقباط ليأخذوا مكانتهم في المجتمع.
وفجأة، تمت خطبة تقليدية لبطلنا لفتاة قبطية غنية، وعندما اكتشفت الخطيبة أنه فقير ألقت الدبلة في وجهه، وتعرّف على مهندسة نوبية فقيرة تسكن في حى عشوائى لفترة قصيرة لتنتهى العلاقة.
وبعد فترة عاد إلى عايدة، والتأم شمل الشلة القديمة، وبدأوا يجتمعون في بار، يملكه يونانى، هو خال صديقتهم اليونانية، وعمر البار 40 عامًا، وهو تحت الأرض في شارع عدلى. وفى 6 أكتوبر يحكى عن مشاعر المصريين الجارفة، التي لم تصدق في البداية أن الجيش المصرى عبر قناة السويس إلا في اليوم التالى، وذهبت شلة بطلنا لزيارة صديقين أُصيبا في الحرب، واستمر لقاء الشلة في البار مع صديقهم أنس المسلم وصديقته أنّا وصديقتهم اليونانية.
وقامت نفس الشلة برحلة إلى الإسكندرية وشاهدوا التغيير الذي حدث في شعب الإسكندرية. وفى هذا الوقت قرر صاحبنا الهجرة إلى كندا، ولكنه كان يتساءل كيف يترك الإنسان بلده وأهله وأصدقاءه. وصاحب البار باعه، وتحول إلى محل أحذية، وأعلن سفره إلى اليونان. وتحدث صاحبنا إلى نفسه قائلًا: أنس، صديقى، بعد أن انعزل في حجرة على السطح مع الأرانب والفراخ، قررت صديقتهم اليونانية، التي وفرت له الحجرة، الرجوع إلى اليونان، فغادر إلى شقة أهله، وبعد أيام انتحر بإلقاء نفسه من سابع دور.
وتمت خطبته إلى عايدة، في بيت عائلته، بحضور ألبرت أخيها الصغير، وعند عودتها للبيت ناولها السفرجى قرص فاليوم وكأسًا من الفودكا، فطلبت مضاعفتها، وكانت تشعر بألم شديد، وحزن لأن القسيس حين طلب دبلتى الخطوبة وجد أن بطلنا لم يشترِهما.
وسافر بطلنا إلى لندن مع عايدة، ومعهما صديقتهما صوفيا وزوجها، الذي ذهب للعلاج، وعاشا في فندق بسيط بمساعدة الدكتور المصرى الصعيدى بشاى. وبعد فترة عاودها المرض بشدة، فتم الاتصال بوالدها، الذي أصر على عودتها إلى مصر، وفى نفس اليوم سافر إلى كندا، وحاول الاتصال مرارًا بها، ولم ينجح. وفى كريسماس 1974 عاد إلى مصر في زيارة سريعة مؤلمة، وعلم بوفاة عايدة، وتذكر كل الأصدقاء الذين ماتوا والذين هاجروا واختفوا للأبد وعاد إلى كندا بعد الإجازة.
يبقى أن الرواية طُبعت بالإنجليزية، وحققت نجاحًا في كندا بعنوان «بار في شارع عدلى»، وقام بطلنا، أستاذ الهندسة، بإعادة طبع الرواية في دار المحروسة بالقاهرة، بالإنجليزية، وينوى بطلنا مدحت غبريال ترجمة الرواية إلى العربية، وإعادة طبعها في القاهرة.
الرواية مشوقة، وبها فترات من البهجة وفترات من الحزن والأسى على حال الأصدقاء وعلى حال مصر، وخاصة عندما تعرف أن كل شخصيات الرواية وأحداثها حقيقية بصدق كامل لأحداث فترة حرجة من تاريخ مصر، وذلك بمشاعر مصرى قبطى وطنى.
شكرًا مدحت غبريال، وفى انتظار الترجمة، التي قد يصحبها تغيير في عنوان الكتاب يتماشى مع التحولات التي حدثت في هذه الفترة.
قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.
مقال تم نشره فى موقع المصري اليوم
التعليقات