الخبر الخادع

 
رغم أن الخبر الذى أذاعته منظمة الأغذية والزراعة يدعو إلى التفاؤل من حيث الشكل، إلا أنه يدعو إلى الحذر من حيث المضمون لمن يتأمله.
 
 
هذه المنظمة مقرها فى العاصمة الإيطالية روما، وتشتهر باسم «الفاو»، وهى إحدى المنظمات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة الأم فى مقرها فى نيويورك.
 
أما الخبر الذى أعلنته الفاو مؤخرًا، فهو أن أسعار المواد الغذائية انخفضت عالميًا فى مارس ٢٠٢٣ بنسبة ٢٠٪‏، وأن الانخفاض حدث قياسًا على أسعار المواد الغذائية نفسها فى مارس ٢٠٢٢.
 
والمعنى أن السلعة الغذائية التى كان سعرها فى مارس قبل الماضى مائة جنيه مثلًا، صارت تباع فى مارس الماضى بثمانين جنيهًا.
 
ولكن المنظمة لم تذكر شيئًا عن سعر السلعة ذاتها فى مارس ٢٠٢١، ولو أنها فعلت ذلك فسوف يتبين لنا حجم الخداع فى حكاية الانخفاض بنسبة ٢٠ ٪‏، والسبب أن الحرب الروسية على أوكرانيا اشتعلت فى فبراير قبل الماضى، فأدت إلى ارتفاعات غير عادية فى الأسعار، وأصبح ما بعدها من الأسعار لا علاقة له بما قبلها.
 
ولذلك.. فالسلعة التى كانت تباع فى مارس ٢٠٢٢ بمائة جنيه، كانت فى مارس السابق عليه.. أى قبل الحرب.. تباع بنصف هذا الرقم وربما أقل، فلما انخفض سعرها بنسبة ٢٠ ٪‏ فى مارس الماضى، لم يكن هذا انخفاضًا فى سعر السلعة الأصلى قبل اشتعال الحرب، ولكنه انخفاض بالمقارنة مع السعر الجديد الذى طرأ عليها بسبب الحرب، وهو بالتالى انخفاض خادع لمن يطالعه للوهلة الأولى، ولا يدقق فى تفاصيله التى تشرحه.
 
والقصة أقرب ما تكون إلى حكاية اليهودى الذى عاش لفترة مع حيوان فى بيت واحد، فلما ضاق من وجوده معه فى البيت نفسه ذهب يشكو للحاخام، الذى نصحه بأن يأتى بالحيوان ليعيش معه فى غرفته ذاتها وألا يناقشه فى الموضوع.
 
أخذ اليهودى بالنصيحة ولكنه عاد بعدها بفترة يبلغ الحاخام بأن حياته لم تعد تطاق، فكانت النصيحة هذه المرة أن يعيد الحيوان إلى حيث كان فى الأول وأن يخرجه من الغرفة، فلما فعل عاد فى اليوم التالى يقول إنه استراح وأنه جاء يشكر حاخام القرية على النصيحة!.
 
سوف لا يكون خبر الفاو خادعًا، إذا انخفضت الأسعار عالميًا عن مستواها قبل اشتعال الحرب بساعة واحدة، لا عن مستواها بعد إطلاق الحرب ولو بنصف ساعة!.
 
المقال / سليمان جودة
المصرى اليوم 
التعليقات