العيد.. «ملاهي»

كذلك كانت قمة البهجة فى الأعياد زمان.. قضاء ساعة فى الملاهى.. ساعة حظ ينسى فيها الشخص همومه ويخرج من عالمه إلى آفاق خيالية تخلعه من الواقع خلعاً.. إنها لعبة الترفيه التى يحتاج إليها الإنسان والتى حث عليها النبى، صلى الله عليه وسلم، حين نصح المؤمن فى الحديث الذى يقول: «روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة»، ولذلك شرع الله تعالى الأعياد وجعلها -كما تعلم- بعد عبادتين شاقتين هما: عبادة الصوم التى يعقبها عيد الفطر، وعبادة الحج التى يليها عيد الأضحى.

الملاهى التى عرفها جيل الستينات والسبعينات كانت موجودة -على ما أذكر- إلى جوار «حديقة الحرية» بميدان التحرير، وقد أصبحت كل من الملاهى والحديقة أثراً بعد عين، وظهرت بدائل للملاهى بأماكن عدة سطعت شهرتها خلال فترة الثمانينات والتسعينات وما تلاهما.

لم يبقَ من أثر للملاهى القديمة إلا ما سجلته بعض الأعمال الفنية الكلاسيكية من مشاهد كانت الملاهى مسرحاً لها. على سبيل المثال فيلم «يوم من عمرى» لعبدالحليم حافظ وزبيدة ثروت، مثلت الملاهى إطاراً لأغنية جميلة غناها عبدالحليم فى الفيلم، كان عنوانها: «ضحك ولعب وجد وحب»، ألفها مرسى جميل عزيز، ولحنها منير مراد، وهى أغنية اعتمدت على قالب «الفيديو كليب» قبل الزمان بزمان. أيضاً بنى الراحل وحيد حامد عدداً من المشاهد فى مسلسل «أحلام الفتى الطائر» داخل مدينة الملاهى.

هناك أيضاً صورة غنائية شهيرة راجت خلال فترتى الستينات والسبعينات عنوانها: «مدينة الملاهى»، كتبها «بيرم التونسى»، ولحنها «عزت الجاهلى»، يقول مطلعها: «الدنيا تلاهى.. فى مدينة الملاهى.. دايرة باللى فيها.. وانت عنها ساهى».. وتصور الكلمات البديعة التى كتبها عم «بيرم» الألعاب التى تتزاحم داخل الملاهى.

مدن الملاهى تطورت كثيراً خلال فترة الثمانينات وما بعدها، فلم تعد مجرد ألعاب، بل تمددت بداخلها ما يمكن تسميته بـ«صناعة الترفيه»، فكل ما يقع فى سياق الترفيه أصبح يتوافر فى «الملاهى»، من دور عرض سينمائى وكافيتريات وأنشطة فندقية وغير ذلك.

العجيب أن المشروعات عندما تتمدد تفقد زخم البهجة الذى كانت تتمتع به حين كانت محدودة المكان والأدوات. وللمسألة أصل علمى فالمشروع -أى مشروع- عندما يتجاوز حجماً معيناً يصاب بنوع من الترهل الذى يؤدى إلى فقدان السيطرة عليه، مما ينذر باختفائه، وكأن للمشروعات دورة حياة مثل الأفراد والأمم.

فى هذا السياق نستطيع أن نفهم تراجع القيمة التى كانت تلعبها مدن الملاهى فى حياتنا، فقد تمددت إلى نواحٍ أخرى كثيرة غير الألعاب، وباتت أشبه بلعبة المتاهة، وهى إحدى الألعاب التى كانت شهيرة فى الماضى داخل الملاهى. هذا التمدد الذى زاد على الحد المعقول، أفقد الملاهى زخم البهجة، وقلل من تأثيرها فى حياة الناس فى الأعياد، فالألعاب بات محلها الموبايل، الذى يجلس إليه الناس، ويلعبون على «القاعد»، وبصورة فردية.

ومع «القعدة» و«الفردية» تتوه البهجة.

المقال / د محمود خليل 

الوطن

التعليقات