كراهية الفن شىء متأصل فى وجدان جماعة الإخوان، وعندما بحثت فى مقالات مُنظّرهم الفكرى الأكبر سيد قطب وجدت عدة مقالات يهاجم فيها الغناء بضراوة وشراسة. وهنا سأقتبس مما كتبه فى مجلة الرسالة لكى أُطلع القراء على بعض نماذج تلك الكراهية، فى العدد ٣٧٤ من المجلة، والصادر بتاريخ ٢ سبتمبر ١٩٤٠، كتب سيد قطب مهاجماً الغناء، وأشار إلى بعض أغانى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب قائلاً تحت عنوان «الغناء المريض ينخر الخلق المصرى والمجتمع»:
«لا يمارى أحد فى أن الرجولة وكل فضائلها تتأذى أشد الأذى من أغنية مثل يا لوعتى يا شقايا يا ضنى حالى، أو راضى بلومه وكلامه، أو الهوان وياك معزة»، ونادى «قطب» بوضع عقوبات لمن يترنم بالأغانى الممنوعة حتى من الجمهور، عملاً على إسكات هذه الأصوات الغريزية الواطئة.
أما فى العدد ٣٩٥ فقد نادى صراحة بتكوين فرق لمكافحة الغناء المريض، يقول «الأمم تنشئ الفرق لمكافحة المرض حين ينتشر الوباء، ولمكافحة اللهب حين يصب الحمم على الأبرياء، ولمكافحة المخدرات حين تهدد سلامة البلاد.. فمن الواجب على مصر أن تنشئ الفرق لمكافحة الغناء المريض الذى يسحق كبرياءها، ويحطم رجولتها وأنوثتها، ويثير أحط غرائزها، ويخدّر أعصابها كالمخدرات»، ويواصل الحملة بقوله: «ولكن أى شفيع للحن أو أغنية هى تعبير عن الحيوان المضعوف السقيم، يتميّع بالغريزة العاجزة الكليلة، ويتخلع بالرغبة العجفاء الهزيلة، ويدغدغ غرائز السامعين المخدَّرين؟ ما سمعت أغنية واحدة أو لحناً واحداً، ولا سيما الأغنيات الأخيرة، إلا أحسست بالتقزز للرجل المتراخى النائم على نفسه، المتخاذل فى حركاته، المهوم للنعاس فى نغماته، وللمرأة المتخلعة فى نبراتها، المدغدغة فى تأوهاتها، ولشواب البلد وشبانها يتهالكون من الرخاوة، ويتحاملون من الهزال، ويرفعون عقيرتهم بالنواح: (يا لوعتى يا شقايا يا ضنى حالى - طول عمرى عايش لوحدى - ما يهونشى).
وما أمزح أو أتهكم! فأنا أقترح جاداً إنشاء هذه الفرق، من كل ساخط على هذا الترنيم الوجيع، مشمئز من هذا التكسر الخليع. وهذه الفرق تستطيع الشىء الكثير: تستطيع بث الدعوة، وضرب المثل، ومقاومة كل نفوذ تجارى يُبذل فى إدارات الصحف ومحطة الإذاعة... وتستطيع تتبع هذه الأنغام بالتجريح والتهجين فى كل مجتمع ونادٍ، مع تصحيح الإفهام وتقويم الإحساس».
انتهى كلام سيد قطب ولكن لم تنتهِ كراهية الجماعات المتطرفة للفن، فأرجوكم سلاحكم هو الفن، عضوا عليه بالنواجذ، بيخافوا منه.