كم أنتِ قاسية يا كرة القدم؟

** كم هى قاسية كرة القدم؟ فى هذا المستوى المرتفع من اللعبة تكون مباريات الاتجاه الواحد نادرة. فلا فريق يحقق التفوق المطلق أو السيادة المطلقة. فى بطولة أوروبا يظل الصراع هو جوهر كرة القدم وسر متعتها، ويظل للعبة وجهان، الألم والفرح. هكذا كانت مباراة ألمانيا وإسبانيا حافلة بالصراع والقوة والعنف، وحين وصفتها بمعركة البطولة كنت أدرك أنها ستكون معركة فنية وبدنية، وستصل فيها المباراة إلى لحظة طرح السؤال: من يملك الطاقة؟ من يملك الرغبة؟ من يملك المهارة؟

** الصراع جعلك تتابع المباراة عبر الشاشة فى أرجاء المعمورة مشدودا، قد تنسى كوب الشاى الساخن بجوارك حتى يبرد. نعم الأهداف تجعل الصراع أجمل ، لكن تعبير «الكورة أجوان» لا يعبر عن هذا المستوى الرفيع من كرة القدم، ومن تعقيداتها، ولكن فى وقت قاتل أخرج الماتادور الإسبانى سيفه وقتل الثور الالمانى الضخم فى اللحظة الأخيرة، من صراع تقليدى جعل ملعب شتوتجارت مثل «الكوريدا».

** انتهت حكاية الصيف لألمانيا، لكن حكاية إسبانيا مستمرة، وفجأة مع بقاء 65 ثانية على نهاية الوقت الإضافى، وقد بدت ركلات الترجيح حتمية وتوقف اللاعبون فى جميع أنحاء الملعب، بالكاد قادرون على المشى، مرر دانى أولمو كرة رائعة وهناك، فى عمق منطقة الجزاء، كان ميكيل ميرينوهو المصارع الذى أغمد السيف فى رقبة الثور .وقد كانت ليلة مرهقة شهدت فيها المباراة 41 تسديدة و16 بطاقة صفراء، وبطاقة حمراء نالها دانى كارفاخال.

** لقد أظهر «أولاد لافوينتى» أنهم قادرون على الفوز فى معركة بدنية رهيبة فى هذا المستوى من كرة القدم . انتصروا على ألمانيا فى عقر دارها 2/1 . وفى هذا المستوى من البطولات وكرة القدم لم تعد حكاية الأرض وأصحابها تصلح لكرة القدم فى عام 2024 . يا إلهى أسأل نفسى دائما كيف يتوقف البعض عند زمن مضى؟ كيف يرون كرة اليوم بعيون الأمس؟ إن جزء من متعة اللعبة أن ألمانيا عادت قبل نهاية الوقت الاصلى بدقيقة عبر هدف فيرتز البديل . وكانت هناك ضربة جزاء للألمان أثارت الجدل عندما اصطدمت الكرة بيد مارك كوكوريلا فى الوقت الإضافى وكانت النتيجة التعادل 1/1 .

ومع ذلك قال جوليان ناجيلسمان مدرب ألمانيا بمنتهى الأدب والروح الرياضية والأخلاق : لم نكن نستحق الخروج من البطولة بهذه الطريقة . ومجتمع كرة القدم فى حاجة شديدة إلى مراجعة قاعدة لمسة اليد.

** لم يقل التحكيم هزمنا . لم يقل أنها مؤامرة ضدنا. لم يقل جوليان ناجيلسمان إسبانيا لا تستحق. وإنما هنأ مدرب إسبانيا والفريق على التأهل للدور قبل النهائى . أما الفريق لم يهجم على الحكم بعد المباراة، ولم يحيط الأمن بالحكم لحمايته من الاشرار؟!

** قسوة كرة القدم امتدت إلى مباراة البرتغال وفرنسا، التى شهدت تفوقا من جانب الفريق البرتغالى، بينما واصل الفرنسيون اللعب بدون تسجيل هدف واحد من أداء هجومى منظم ومرتب ومبتكر . وحسمت المباراة بركلات الجزاء الترجيحية لتفوز فرنسا 5/3 . وينجح لاعبوها فى تسجيل خمس ركلات فى مرمى كوستا الأسد الذى سبق له التصدى لثلاث ركلات فى مباراة سلوفينيا . لم تكن فى هذه المباراة كرة قدم سيئة. لا يمكن لأى مباراة مع هذا العدد الكبير من اللاعبين الرائعين على أرض الملعب أن تكون مملة، لكن فى النهاية تصنع اللعبة الدراما الممتعة التى تشد أنظار المتفرجين حين يكون الخصمان على نفس القدر من القوة .

** ومع ذلك، حتى مدرب فرنسا ديشامب كان لديه الحضور والشجاعة لسحب مبابى فى الدقيقة 105 عندما أصبح من الواضح أنها لن تكون ليلته. لقد تفوق عليه جواو كانسيلو، وإذا لم يتمكن مبابى من الجرى ولا يمكنه التسديد، فبصراحة كل ما تبقى لك حقًا هو رجل يرتدى قناعًا ويشير إلى المساحات. لكن على الأقل تعرف فرنسا كيف تعمل بدون قائدها.

** وكالعادة حتى غياب رونالدو كان يبدو وكأنه نوعا من الحضور. الكاميرات تفتش عنه وتتابعه، والعدسة تبدو كأنها تتساءل: هل يفعل شيئا؟ هل يسجل؟ هل يكرر واحدة من قفزاته؟ وأذكركم أننا قبل أيام أشرنا إلى أن الاساطير مثل رونالدو يواجهون لحظات قاسية . يواجهون الزمن، ويواجهون ماضيهم، ويواجهون تحديات يعجز العقل أحيانا أن يتفق فيها مع الجسد. وهذه المرة بكى بيبى، وتقدم إليه رونالدو واحتضنه. كأنهما فى مشهد وداع قبل إسدال الستار على المسرح.

 

التعليقات