الجيش الفرنسي يحوِّل باريس إلى "فقاعة أمنية" قبيل ساعات من انطلاق الأولمبياد

مع اقتراب موعد انطلاق دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية في باريس صيف 2024، تكشف فرنسا عن خطط أمنية واسعة النطاق، تعتمد بشكل كبير على القوات المسلحة.

وسلطت صحيفة "لوموند"، الضوء على حجم الاستعدادات الأمنية الاستثنائية التي تتخذها فرنسا لضمان سلامة هذا الحدث العالمي الضخم، الذي يُقام في الفترة من 26 يوليو الجاري حتى 11 أغسطس المقبل، مع حفل افتتاح فريد من نوعه على نهر السين في 26 يوليو.

الجيش الفرنسي في قلب الخطة الأمنية

تشير صحيفة لوموند إلى أن فرنسا تخطط لنشر ما يصل إلى 18,000 جندي لتأمين الألعاب الأولمبية، منهم أكثر من 10,000 في منطقة إيل دو فرانس وحدها.

ويصف الجنرال كريستوف أباد، الحاكم العسكري لباريس، هذه التعبئة بأنها "غير مسبوقة"، مشيرًا إلى أن ثلثي أفواج القتال في الجيش الفرنسي سيتم نشرها خلال الألعاب.

وفقًا للتقرير، فإن هذا الحشد العسكري الضخم يأتي في إطار تعزيز عملية "سانتينيل" الأمنية المستمرة طوال العام، وتجدر الإشارة إلى أن الجنود المشاركين في تأمين الألعاب سيتم نشرهم لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، مقارنة بشهرين في العمليات العادية.

هذا الالتزام الطويل الأمد يعكس حجم التحدي الأمني الذي تواجهه فرنسا في استضافة هذا الحدث العالمي.

مهام متنوعة للقوات المسلحة

وفقًا للصحيفة الفرنسية، ستتولى القوات المسلحة الفرنسية مجموعة واسعة من المهام خلال الألعاب الأولمبية، تغطي نطاقًا شاملًا من الأرض إلى السماء.

في المجال الجوي، سيتم إنشاء "فقاعة" أمنية فوق باريس ومواقع الألعاب الأخرى، مع إجراءات صارمة خلال حفل الافتتاح، ستشهد الفترة من الساعة 6:30 مساءً حتى منتصف الليل إغلاقًا كاملًا للمجال الجوي، مع حظر أي رحلات جوية ضمن دائرة نصف قطرها 150 كيلومترًا حول العاصمة.

ويؤكد الكولونيل ليونيل بافيري، المسؤول عن مشروع الألعاب الأولمبية 2024 في قيادة الدفاع الجوي والعمليات الجوية، أن هذا الإجراء الاستثنائي ضروري؛ لضمان الوقت الكافي للتدخل في حالة أي تهديد محتمل.

وفي إطار مواجهة التهديدات الجوية الحديثة، أنشأت فرنسا مركزًا وطنيًا للتنسيق في قاعدة فيلاكوبلاي، مخصصًا لمكافحة الطائرات المُسيرة.

هذا المركز مجهز بأنظمة متطورة لرصد وتحييد هذه الطائرات التي قد تشكل خطرًا أمنيًا، وتخطط القوات الفرنسية لنشر حوالي 15 نظامًا ثقيلًا إلى جانب عشرات الفرق الخفيفة المزودة ببنادق التشويش، وذلك لمواجهة أي تهديدات محتملة من الطائرات بدون طيار بسرعة وفعالية.

على الأرض، ستقوم القوات العسكرية بتسيير دوريات واسعة النطاق في المحيط الأوسع حول مواقع الألعاب، وهذا الوجود العسكري المكثف والمرئي يهدف إلى توفير طبقة إضافية من الأمن، وإرسال رسالة قوية حول الاستعداد الفرنسي لمواجهة أي تهديدات محتملة، كما سيساهم هذا الانتشار في طمأنة الجماهير والمشاركين على حدٍ سواءٍ.

وفيما يتعلق بحفل الافتتاح الفريد الذي سيُقام على نهر السين، تخطط فرنسا لنشر حوالي 800 جندي لتأمين منطقة انطلاق القوارب.

هذا الحدث الاستثنائي، الذي سيستمر لمدة 3 ساعات و45 دقيقة ويشهد استعراض وفود الرياضيين لمسافة تزيد على 6 كيلومترات على متن 85 قاربًا، يمثل تحديًا أمنيًا فريدًا من نوعه، وتعكس هذه التعبئة العسكرية الكبيرة حجم التحدي وأهمية ضمان سلامة هذا الحدث الذي سيكون محط أنظار العالم.

التنسيق المدني - العسكري

تؤكد لوموند أن التنسيق بين القوات المدنية والعسكرية سيكون أمرًا بالغ الأهمية لنجاح الخطة الأمنية، إذ سيتم إنشاء مقر قيادة مشترك في سان دوني، في نفس المبنى الذي تتواجد فيه اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية، ما يهدف إلى ضمان التواصل السلس وسرعة الاستجابة لأي تحديات أمنية قد تنشأ خلال الألعاب.

وتشير الصحيفة إلى أن هذا التنسيق يمتد إلى مختلف جوانب الأمن، بما في ذلك الأمن الجوي والبحري والبري، فعلى سبيل المثال، سيعمل الغواصون العسكريون جنبًا إلى جنب مع نظرائهم من الشرطة ورجال الإطفاء لتشكيل قوة دعم تضم مئات من الأفراد.

إجراءات استثنائية لتأمين الأجواء

تكشف الصحيفة عن الإجراءات الصارمة التي ستتخذ لتأمين المجال الجوي خلال حفل الافتتاح، فبالإضافة إلى إغلاق المجال الجوي بالكامل، لن يُسمح بأي إقلاع أو هبوط في مطارات باريس الرئيسية "شارل ديجول، أورلي، ولو بورجيه" خلال فترة الحفل.

وتشير المديرية العامة للطيران المدني الفرنسية إلى أن هذه الإجراءات قد تؤثر على نحو 500 رحلة جوية، أي ما يعادل ربع حركة الطيران في يوم عادي من شهر يوليو، كما أن الطائرات التي لن تتمكن من الإقلاع قبل الساعة 6:30 مساءً ستبقى على الأرض، بينما سيتم تحويل مسار الطائرات التي تصل إلى باريس متأخرة إلى مطارات بديلة.

تحديات وتكيفات

تشير لوموند إلى أن الاضطرابات الأخيرة في كاليدونيا الجديدة، قد أثرت على الخطط الأمنية الأصلية؛ مما اضطر السلطات إلى إجراء بعض التعديلات، فبعض القوات التي كان من المفترض أن تعود إلى فرنسا للمشاركة في تأمين الألعاب الأولمبية لا تزال منتشرة في كاليدونيا الجديدة.

ومع ذلك، يؤكد المسؤولون العسكريون قدرتهم على التكيف مع هذه التحديات إذ يقول الجنرال أباد: "كما هو الحال في أي عملية، نحن نتكيف"، وقد تم اتخاذ قرارات لتعديل توزيع القوات بين باريس وبقية فرنسا، بما في ذلك تعبئة جنود احتياط من الأمن لتولي مهام المراقبة والأمن في المناطق السياحية.

 

التعليقات