الحقيقة والميلاد ( منير )

لم يكن يعرف الشاعر الكبير زكى مراد الشهير باسم عبد الرحيم منصور ، أن أغنيته ( الليلة ياسمرا ) التى كتبها فى معتقل الواحات عام ٦١ وكان معه فى نفس الزنزانة احمد منيب - واحمد فؤاد نجم - وفؤاد حداد وكانوا جميعاً من طلائع اليسار المصرى ، أن هناك فتى أسمر من أسوان وجذوره نوبية ، سيصدح بهذه الأغنية بالبوم شبابيك الذى حقق نجاح منقطع النظير عام ٨١ ، ونفس هذا الشاعر سيقبض عليه لاحقاً وهو يوزع منشورات ضد معاهدة كمب ديفيد، هؤلاء صنعوا مفردات جديدة على آذاننا ، هذه المفردات كانت تجافى ما كنا نستمع اليه على مر عقود طويلة من الغناء ، كان الأكثر تداولاً فى الغناء المصرى والعربى ، الصد والهجران واللوعة والعزول القاسى ،لكن عبد الرحيم منصور ورفاقه ، وضعوا بصماتهم الخالدة فى الغناء بافكارهم ومفرادتهم الجديدة ، وأكتمل مشروعهم من خلال صوت محمد منير
لا اعلم بالتحديد كم عُمْرّ محمد منير ، لكنى أرتبط به منذ عام ٧٦ وكان عمرى ١٣ عام ، فى احد ايام شهر مارس وقت الظهيرة ، فاجأني أخى الأكبر ، وأهداني شريط كاسيت لمنير بعنوان ( بنتولد ) ومنذ ذلك الحين ويربطني بمنير رباط وجدانى أستمر معى حتى الأن ، وحين أتيح لى مقابلة منير تقابلنا بحكم عملى فى احد فنادق القاهرة المطلة على النيل ، وكان يشرف على قناة Mbc الاعلامى عمرو الليثى فطلب من فريق العمل انا والكاتب الصحفى رشيق القلم وجميل الروح محمد الشبة والزميلة الاعلامية شفكى المنيرى بعمل حلقة كاملة مع الكينج منير بمناسبة عيد ميلاده ، طلبت من ادارة الانتاج حجز المطعم النوبى بفندق الميريديان لعمل اللقاء ، ودار حوار بيننا عن طبيعة فنه الذى يقدمه لجمهوره ولماذا تمسك باللهجة الجنوبية فى اداءه الغنائى ، ثم تطرقنا الى مشروع منير الغنائى ، وتحمست اثناء الحوار وقلت له ان مشروعه الفنى لا يقل اهمية عن مشروع سيد درويش ( كانت رؤية مبالغ فيها طبعاً ) خاصة ان منير مهموم بالوطن وقضاياه محلياً وعربياً ، طبعا هذا الراى كان من منطلق حبى الجارف لمنير ، لكنه رفض هذا الطرح تماماً وانكر على مقارنته بسيد درويش ، منير صاحب مدرسة فى الغناء ، فتحها مبكراً ومازالت حتى الان مستمرة فى العطاء والانتاج ، وابن مشروع ثقافى أعضاءه مجدى نجيب والابنودى ومنصور ومنيب ويحى خليل ، غناء منير من نسيج هذا الوطن والوان علمه ، تجد النيل يسرى فيه والاهرامات لها حضورها ببعدها الحضارى ، والجنوب بثقله الفكرى وفلسفته فى الحياة وجذوره المصرية العميقة ، منير السهراية والجمراية والبنت ام المريلة الكحلى وسؤال وبفتج زرار قميصى وعروسة النيل وشبابيك وشجر الليمون والمساكن الشعبية وطعم البيوت وحدوتة مصرية والليلة ياسمرا ، منير اسمر بلون طمى النيل كعود خيرزان ممتد نحو السماء وغارز جذوره فى أرض مصر الطيبة ، منير التاريخ والقلعة والمعابد والكنايس والمساجد ، منير لو لم يظهر فى تاريخ مصر الفنى كنا افتدقدنا فنان فريد من نوعه ، صاحب مشروع فنى خاص جداً ، قادر على مخاطبة الجميع بقلب مفتوح مقبل على الحياة ، لقد احببت منير انا واصدقائى وجيلى كله ، كنا ننتظر نزول الشريط السوق امام محلات بيع الكاسيت ، نظل حتى الساعات الاولى من فجر اليوم التالى لنكون اول من يحصل على الألبوم، ونطير الى اجهزة التسجيل ونضع الشريط ونغمض اعيوننا ونذهب مع الكينج الى عالم اخر مفعم بالصدق والحب والاصالة ، من يقترب منى لابد ان يكون محباً لمنير فجميع من حولى احبوه من شدة ارتباطى بفنه ، اصدقائى واخوتى واولادى وزملائى فى العمل واتمنى ايضاً ان يكمل احفادى مسيرة حب منير لانه فنان صادق ويستحق وغناءه عابر للاجيال ، كل سنة وانت طيب يا كينج.
* عن حساب الكاتب عبر موقع فيس بوك..
التعليقات