رحيل كلوديا كاردينالي.. حكاية أسطورة فنية بدأت من تونس إلى "سماء العالمية"

في هدوء مدينة نمور الفرنسية، أُسدل الستار على فصل أخير من حكاية امرأة استثنائية، برحيل النجمة الإيطالية العالمية كلوديا كاردينالي عن عمر ناهز 87 عامًا.

كانت وقت وفاتها محاطة بعائلتها وأبنائها، كما أعلن وكيل أعمالها لوران سافري، الذي قال: "لقد تركت لنا إرثًا من امرأة حرة وملهمة، كامرأة وفنانة من تونس.. إلى فينيسيا فالعالم".

ولدت كلوديا كاردينالي في 15 أبريل 1938 في العاصمة التونسية، لعائلة من أصول صقلية.

في بلد عربي ناطق بالفرنسية والعربية، تشكّل وعيها الأول.

ولم يكن من السهل أن تتنبأ تونس آنذاك أن تلك الفتاة الصامتة التي لا تتقن الإيطالية جيدًا، ستتحول إلى واحدة من أكثر نجمات السينما الأوروبية والعالمية سحرًا وتأثيرًا.

خطفت الأضواء للمرة الأولى حين فازت بلقب "أجمل امرأة إيطالية في تونس"، وهي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها.

الجائزة كانت تذكرة سفر إلى مهرجان البندقية السينمائي، وهناك بدأت الحكاية. ولفتت الأنظار بجمالها الغامض وصوتها الأجش الذي اعتبره البعض "عيبًا" فدبلجت أدوارها في بداياتها، لكنه لاحقًا أصبح بصمتها الخاصة.

الانطلاقة الفنية

في عام 1963، خطفت الأضواء عالميًا من خلال تحفتين سينمائيتين لا تُنسَيان: 8½ للمخرج العبقري فيديريكو فيلليني، و"الفهد" إلى جانب بيرت لانكستر، للمخرج لوشينو فيسكونتي.

وفتحت هذه الأدوار لها أبواب هوليوود، فظهرت في أعمال بارزة مثل The Pink Panther وOnce Upon a Time in the Wes.

وقفت أمام عمالقة الشاشة: هنري فوندا، تشارلز برونسون، آلان ديلون، ومارسيلو ماستروياني.

وبرعت في أداء شخصيات متنوعة من العاهرة إلى القديسة، ومن الرومانسية الحالمة إلى المرأة القوية الجريئة.

وهي لم تؤد أدوارًا فحسب، بل عاشت أكثر من 150 حياة على الشاشة، كما صرّحت ذات مرة.

امرأة خارج القوالب

عرفت كلوديا بكونها امرأة حرة ومتمردة، رفضت القيود الأخلاقية والمهنية التي فرضها المجتمع المحافظ أو حتى بروتوكولات السياسة والدين؛ فقد ارتدت تنورة قصيرة خلال لقائها بالبابا بولس السادس، في خطوة عدت جريئة وغير مسبوقة.

لم تُعرف فقط بجمالها، بل بشخصيتها القوية وإصرارها على الاستقلال، خصوصًا بعد انفصالها عن المنتج السينمائي فرانكو كريستالدي، حيث بدأت علاقة طويلة مع المخرج باسكوال سكويتيري وأنجبت منه ابنة.

كان لها ابن آخر يدعى باتريك، أنجبته في عمر التاسعة عشرة، وتكتمت طويلًا عن ظروف ولادته، ما زاد من غموض حياتها الخاصة.

تكريم مصري

وفي عام 2015، كرّم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي النجمة الإيطالية الكبيرة بمنحها جائزة فاتن حمامة التقديرية خلال دورته الـ37، تقديرًا لمسيرتها الفريدة وإسهامها في إثراء السينما العالمية.

يومها، وقفت كاردينالي على المسرح المصري بكل فخر، وقالت إنها تشعر وكأنها عادت إلى بيتها.

رحيل بلا نهاية

حتى سنواتها الأخيرة، لم تتخل كلوديا كاردينالي عن الفن.

شاركت في أفلام ومسلسلات أوروبية، وكرّمتها كبرى المهرجانات، أبرزها جائزة الإنجاز مدى الحياة في مهرجان برلين السينمائي عام 2002.

وفي عام 2022 صدر كتاب بعنوان: "كلوديا كاردينالي.. التي لا تُقهر"، احتفى بمسيرتها وحريتها الاستثنائية.

وحرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على نعيها قائلًا: "كانت نجمة إيطالية وعالمية. ستبقى في قلوب الفرنسيين إلى الأبد. لقد جسدت الحرية والنظرة والموهبة".

 

التعليقات