هل تريدون شعبا من الدببة؟

تضمن البرنامج الانتخابي للرئيس الأسبق مبارك في 2005 وعدا بتشريع يتيح حرية المعلومات، إلا أن الحكومات المتوالية في عهده والأنظمة اللاحقة وحتى يومنا هذا لم تتقدم بمشروع لهذا قانون، وهو المطلب الذي نادي به معظم القوي السياسية والمجتمعية والإعلامية لضمان حق المواطن في الحصول على المعلومات، وحرية تداولها، وتنظيم قيام مؤسسات الدولة المختلفة بنشر معلومات بشكل دوري وإتاحتها للجمهور، وضمان حق المواطن في طلب المعلومات من هذه المؤسسات.

وأتذكر حينما كنت عضوا بالمكتب السياسي لحزب الجبهة الديمقراطية أن أعددت تقرير متابعة في نوفمبر 2007 عما تم وما لم يتم تنفيذه من برنامج الرئيس الأسبق، وتم توزيع هذا التقرير على عدد من الأحزاب والمؤسسات الصحفية والقنوات الفضائية. وأوضحت ضمن أحد أجزاءه أهمية وجود مثل هذا القانون ليس فقط لحق المواطن في المعرفة بل أيضا كضمانة أساسية لأمنه. وشرحت كيف أن تهمة التخابر – في غيبة هذا القانون -يمكن إلصاقها بأي مواطن يتعامل مع أية معلومات، حتى لو كانت متاحة للجميع، لمجرد تداولها مع أية شخصية أو مؤسسة غير مصرية حتى لو كانت هذه المعلومات منشورة بالجرائد والصحف. وحذرت وقتها من أن التلويح بهذه التهمة الخطيرة لأي مواطن أصبح أحد التهديدات المستترة التي تستخدمها في بعض الأحوال الأجهزة الأمنية للضغط على أية شخصية مصرية طبقا لهوي بعض أصحاب النفوذ السياسي. والحقيقة أن ما نوهت عنه في 2007 ينطبق على ما يحدث الأن وإن كنت أتصور أن ما نشهده اليوم من اسهاب في استخدام مثل هذه الاتهامات للنيل من العديد من السياسيين والمثقفين والإعلاميين والحقوقيين وأصحاب الأعمال هو الأسوأ بالمقارنة للخمسين عام الماضية.

وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعين عاما على تقبل العالم لفكرة أننا أصبحنا في رحاب عصر المعلومات وتعدد الوسائط لتداولها والحصول عليها والاستفادة منها، وفي الوقت الذي أدركت فيه دول العالم أن مؤسسات أي دولة لا يجب أن تحتفظ بالمعلومات بمعزل عن المواطنين، بل أن دورها الخادم للشعب يفرض عليها أن تكون هذه المعلومات متاحة لأفراده إلا في حالات دقيقة جدا تنظمها التشريعات، إلا أننا مازلنا في مصر نتعامل مع اتاحة أي نوع من المعلومات كونها تهديدا للدولة وأمنها القومي. وللأسف فإن خطاب الرئيس المروج لضرورة السرية في كل شيء تحسبا للمؤامرات التي تحاك ضد مصر قد دفع الكثيرون من محبي ترديد كل ما يقوله الرئيس لشن حرب ضارية ضد حرية المعرفة للمواطنين والمطالبة بسيطرة مؤسسة الدولة علي كافة وسائط تداول الرأي والمعرفة والمعلومة. وحذرت عدد من الأجهزة الأمنية من صدور قانون حرية المعلومات بالرغم من تطبيقه في أكثر من 100 دولة.

ويخطئ من يتصور أن الأفكار الرجعية التي تبعدنا مسافات عن بقية دول العالم مصدرها فقط أصحاب الفكر الديني المتطرف. بل أن الرجعية باتت تسيطر على توجهات كافة القائمين على شئون البلاد على كافة الأصعدة، وكأن عقارب الساعة في مصر تمت تصميمها للرجوع إلى الوراء.

ولا أفهم كيف يمكن للفرد المشاركة بشكل فاعل في عملية صنع القرارات التي تؤثر به وهو لا يعلم أي شيء عما يحيطه؟ كيف يمكن للفرد المشاركة بشكل فاعل في الانتخابات وهو لا يعلم أي شيء يساعده على الاختيار في حين أن ارادته ستكون أساس سلطة الدولة؟ كيف يمكن أن يكون هناك حوار مجتمعي حول الخدمات التعليمية أو الرعاية الصحية أو مسودات السياسات والقوانين -على سبيل المثال – دون اتاحة كامل المعلومات للمجتمع؟ كيف يمكن للمصريين أن يكون لهم رأي في توجه العلاقات الخارجية المصرية وموقف مصر من التكتلات الإقليمية الخطيرة التي تحدث حولنا دون اتاحة المعلومات للشعب عما يحدث ولماذا يحدث؟

وما ينطبق على المجتمع وأفراده ينطبق أيضا على الصحافة والإعلام. وقبل أن نلقي اللوم على تلك المؤسسات علينا أن ندرك معاناة الصحفيين والإعلاميين في الحصول على معلومات موثوقة وحقيقية وكاملة من معظم أجهزة الدولة. وبالتالي شاعت الأكاذيب في صحافتنا واعلامنا، وتكررت تكذيبات أجهزة الدولة للأخبار المنشورة، وباتت تلك الأجهزة ترفض استناد الصحافة والاعلام على أية معلومات صادرة من جهات غير حكومية. وفي حالات كثيرة تضاربت الأخبار بين أجهزة الدولة نفسها.

حرية اتاحة المعلومات وتداولها ضرورة لتحقيق الشفافية في الأداء والمسائلة ومراقبة أعمال الدولة وتقدير أدائها – على سبيل المثال – في الأمور المتعلقة بالوضع الاقتصادي والأمني والاجتماعي، كما أنها من الأدوات الأساسية في مكافحة الفساد والكشف عن الأخطاء التي قد تقع فيها الأجهزة الحكومية. ولكن هذا القانون لن يري النور في ظل مميزات احتكارهم للمعلومات عن كل شيء.

الرئيس يطالب المصريين بالعمل ولكنه لا يري حاجتهم للمعرفة. وأستعير هنا تشبيها سمعته من زميل حينما شبه العاملين بالدببة بالسيرك التي يمكن تدريبها على أن تسير علي سلك ممتد في الهواء دون الحاجة لمعرفة تأثير الجاذبية الأرضية على عملية الاتزان. وأتساءل هل هذا ما يريده نظام الحكم من شعبه؟ شعب من الدببة ...

وللحديث بقية ...

التعليقات