الخوف من السياسة
منذ شبابي و أنا مهتم بالشأن العام و لكن اهتمامي كان هامشياً أو بدون أي تفاعل حقيقي على الساحة السياسية، حتى طرح علي أن أشارك في إنشاء حزب جديد عام ٢٠٠٧، وبالفعل كنت أحد مؤسسي حزب الجبهة الديمقراطية تحت قيادة أساتذة مرموقين في العمل السياسي.. الدكتور يحيى الجمل و الدكتور أسامة الغزالي حرب والدكتور علي السلمي. وعندما بدأنا تشكيل الحزب وكان عددنا لا يزيد عن ١٥ شخصية نجتمع أسبوعياً في مكتب الدكتور علي السلمي، وفي هذا الوقت بدأ العديد من الأصدقاء يعبرون عن قلقهم "على سلامتي" انطلاقاً من الهاجس المعتاد في مصر أن الاشتغال بالسياسة خاصة إذا كنت معارضاً يمكن أن يودي بك إلى المعتقل!.
مرت الأيام و السنوات، واستقلت من حزب الجبهة الديمقراطية في عام ٢٠٠٩ لأسباب ليس هذا مكانها، وتركت السياسة حتي جاء ٢٥ يناير ثم ١٢ فبراير، وإشتعال أزمة التعديلات الدستورية المعيبة التي فصلها المستشار طارق البشري على مقاس الإخوان، وسمعت عن تكوين حزب ليبرالي جديد يظهر في الأفق إسمه "المصريين الأحرار" وأقنعني المهندس نجيب ساويرس بالانضمام لمؤسسيه والتحقت بالمجموعة التي أسست الحزب حتى أصبحت من قياداته أيام حكم الإخوان، وهنا أيضا نصحني العديد من الأصدقاء بترك السياسة و عدم الخوض في معارضة الإخوان "لأن نابهم أزرق و لن يرحموا"! ولكنني صممت مع زملائي في الحزب علي استكمال هدفنا بالإطاحة بالإخوان و إنقاذ مصر من حكمهم البغيض، حتى جاء ٣٠ يونيو، وأفتخراليوم أننا في حزب المصريين الأحرار لعبنا دوراً محورياً بقيادة الدكتور أحمد سعيد رئيس الحزب آنذاك في تنفيذ خطة تخليص مصر من الإخوان. ولكن طوال تواجدي في حزب المصريين الأحرار كان أيضا هناك خوف الأصدقاء "على سلامتي"!
ثم استقلت من حزب المصريين الأحرار بعد عزل محمد مرسي بسبب اعتراضي على طريقة إدارة ملف الانتخابات البرلمانية فيما بعد، وقررت أن الحياة الحزبية ليست مناسبة لي في الوقت الحالي، وخرجت تماما من مشهد العمل السياسي، وهنأني الأصدقاء و الأقارب علي هذه الخطوة علي أساس أن البعد عن السياسة غنيمة، و"الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح"!
ولكن ابتعادي عن "العمل السياسي" لم يكن يعني علي الإطلاق عدم اهتمامي بـ"الشأن السياسي" العام في بلدي أو أن أتوقف عن إبداء رأيي فيما يجري علي الساحة السياسية، فاتجهت الي الكتابة للتعبير عن آرائي ومواقفي، وهنا أيضا عاد الأصدقاء المقربون لمعاتبتي على الكتابة التي أمارسها بصدق وبمواجهة صريحة لعيوب المجتمع، وأسمع من يقول: "احنا خايفين عليك، بلاش تكتب حتي لو كان كلامك كله مظبوط" أو من يقول: "هو انت مش هتبطل غير لما تركب عربية الترحيلات ؟" و آخرون يحذرون: " بجد كفاية!..انت مش شايف البلد رايحة على فين؟! "
وبصراحة.. - ولا أقصد الاستهانة بمشاعر الأصدقاء و قلقهم علي و على حريتي - أنا مندهش لماذا يجب أن نخشى إبداء الرأي أو النقد طالما أنه حق يحميه القانون والدستور؟.. ففي العالم كله السياسة هي الرأي و الرأي الآخر وأنا لا أعتبر نفسي معارضاً، ولكني أيضا لا أعتبر نفسي من حزب الهتيفة والمصفقين، وهناك الكثير مما يجري في مصر أعارضه بشدة و الكثير الذي أؤيده، ووجهات النظر لا تتقارب الا بالحوار وعرض البدائل. فأنا لا أعلم لماذا يعتبر حق الاعتراض في مصر معاداة للنظام وخيانة للوطن؟! ألا يعارض الابن أبيه، ألا يختلف أبناء البيت الواحد؟.. هل هذا يعني أنهم أعداء و يريدون التخلص من بعضهم؟ إن الاختلاف أمر صحي والمعارضة والمناقشة والمناظرة من آليات السياسة الناجحة، وقوة المعارضة من قوة النظام وأهم أسباب نهضة الأمم، والدول المريضة فقط هي التي تختفي فيها حرية التعبير!.
ولا يمكن أن تكون الثورات هي الوسيلة الوحيدة للتغيير في مصر، بل يجب استعمال كل الآليات التي ضمنها الدستور حتي نصل ببلدنا إلى بر الأمان، وأهم هذه الآليات تعدد الأحزاب وحرية الرأي،.. لماذا نخشى من الأحزاب و لماذا نخاف حرية الرأي؟ ولماذا يجب أن نخشى من الكتابة أو من أصحاب الرأي؟!.
إن من أولويات أي حزب سياسي في العالم، الحصول علي الأغلبية و السعي إلى الحكم. هذا الهدف ليس خيانة بل هو منافسة مطلوبة وبدونها لن يحدث أي تداول للسلطة، ولن يرى الشعب بدائل وحلول أخرى لمشاكله.
ولا يمكن أن يُتهم كل معارض بمحاولة قلب نظام الحكم لأن هذا ضد مبدأ دستوري أصيل وهو حق التداول السلمي للسلطة، وإلا فلماذا أقر الدستور تعدد الأحزاب و حرية ممارسة العمل السياسي وحق الترشح والإنتخاب؟!
نحن فعلا مجتمع أصابه العطب، غابت فيه الرؤية وإختلطت المفاهيم، وأصبحنا لا نعرف ماذا نريد بل أصبحنا نخشى من ممارسة أبسط حقوقنا التي يكفلها الدستور!.