لكي نسمي الأسماء بمسمياتها - تحالف اليمين المصري

أظن أن الكثيرين منا لا يهتمون بالديمقراطية ولا يجدون فيها حلولا للتحديات التي نواجها. وغالبا ما يعللون موقفهم بانتشار الأمية وسوء مستوي التعليم، وزعمهم بضرورة وحدة الصف أمام التهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري سواء من الداخل أو من الخارج وعليه فإن الوقت غير مناسب للاختلاف في الرأي. والحقيقة كما أراها أن هؤلاء يفضلون أن يتنازلوا عن أحلامهم للحاكم أملين في حاضر أمن ومستقر ومعتمدين على ما علمتهم الحياة في مصر من قدرات على الصمود في مواجهة المشقة والقهر والظلم وايجاد الوسائل والحلول للبقاء.

وللأسف فإن فكرة البقاء بدلا من الحياة والتي استحوذت على ثقافة الملايين من المصريين قد تم زرعها منذ عدة عقود من خلال أقوي مؤسستين في مصر - دون منازع - المؤسسة العسكرية والمؤسسة الدينية. وربما شهدت مصر خلال حكم رؤسائها السابقين تبادلا للأدوار بين المؤسستين في التأثير على المجتمع وتسيير العقول، إلا أن ما نشهده في عهد الرئيس الحالي هو تلاحم المؤسستين في الرؤي والأهداف لدرجة لم نشهدها من قبل إلا ربما في عصور الفراعنة. والتحالف اليميني الذي يساند الرئيس الحالي ويرفض الديمقراطية يمكن تصنيفه كالاتي:

  1. تيار شعبوي محافظ يجد في اختيار الرئيس من قيادات القوات المسلحة هو السبيل الأوحد لضمان قوة الوطن واستقراره، ويؤمن بحتمية توحد المصريين خلف القوات المسلحة والأجهزة الاستخباراتية والأمنية للحفاظ علي أمن مصر القومي. ويري أن أي خروج عن هذا التوجه خيانة للوطن. ويجد أصحاب هذا الاعتقاد أن نظم الادارة العسكرية هي الأمثل لإدارة الحياة المدنية، وما يستتبعها من ضرورة حجب للمعلومات، والامتثال للطاعة في تنفيذ الأوامر، والتضحية من خلال العمل المضنى والتقشف. كما يستهين أصحاب هذا الرأي بفكرة الفصل بين السلطات ويعتبرها نظرية غربية وفوضوية لا تناسب المصريين. ويميل هذا الرأي لأن تكون كافة السلطات في يد رئيس الجمهورية حتي وإن تم تعديل الدستور لتشريع هذا التوجه. ويؤمن هذا التيار برأسمالية الدولة وفرضها المزيد من الضرائب والحد من الاستيراد وترشيد الاستهلاك، والاعتماد على الموارد الوطنية للنمو. كما يؤمن بأهمية سيطرة الدولة علي الثقافة والصحافة والاعلام لتوحيد الرسالة الموجهة للشعب. كما يجد ضرورة الحفاظ علي خطاب ديني معقد يجمع بين الاسلام كدين للدولة ومدنية الحكم وحرية العقيدة. ولا يهتم هذا التيار كثيرا بأهمية العلاقات الخارجية، بل يعتقد أن العالم يتأمر على مصر.
  2. تيار ديني متطرف يتراوح سلوكه ما بين الشراسة والمهادنة طبقا لموازين القوة ومواقف الحاكم. يعتمد هذا التيار في الأساس على الفكر السلفي الوافد من المملكة العربية السعودية محتكرا بالباطل تمثيله لأهل السنة والجماعة باختلاف مشاربهم. وقد ساند هذا التيار جماعة الاخوان المسلمين في فترة ما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ للاستفادة من قوة وتأثير شبكتها التنظيمية واقتناعا منهم أن الاخوان يملكون الخبرة والحنكة السياسية. وقد تخلي هذا التيار عن دعم الاخوان بعد فشلهم في التصدي لما حدث بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وادراكهم أن الاخوان لن تقوم لهم قائمة في المدي القريب. ويستمد هذا التيار قوته من خلال دعمه المزعوم للنظام الحالي، واختراقه لمؤسسة الأزهر، واستمرار تأثيره بالأحياء الشعبية والمناطق العشوائية والقري والنجوع. ويزعم هذا التيار رفضه للإرهاب إلا أنه ينتهز كافة الفرص المتاحة لخلق ثقافة أحادية المذهب والعقيدة توجه سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية نحو تطبيق تفسيرات داعش للشريعة الاسلامية. يروج هذا التيار لما يصفه البعض بالاقتصاد الاسلامي القائم على المشاركة في المخاطر، وتحريم الفوائد والتأمين، وحماية الملكية الخاصة للمسلمين، والاعتماد على الزكاة والجزية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن تختصر الملكية العامة على مرافق الدولة. يرفض مبدأ أن الشعب مصدر السلطات، ويعتبر أن الحاكمية لله من خلال النصوص الدينية هي المصدر الأوحد. ويؤكد على ضرورة اتباع المجتمع للسلوك السلفي واقامة الحدود. ويري ضرورة أن تصب علاقات مصر الخارجية في العمل نحو وحدة أهل السنة بالعالم الاسلامي ومحاربة من يخالفهم.
  3. تيار مدني محافظ - ويطلق عليهم مجازا التيار الليبرالي - يؤمن بضرورة ارساء النظام وتطبيق القانون، وعدم تدخل المؤسسات الدينية في أمور الدولة، ولكنه يستبدل تلك المؤسسات بأعراف مستمدة من عادات ثقافية صحيحة وخاطئة للأديان. وتسيطر الفتن الطائفية على تمسك هذا التيار بمبادئ المواطنة والمساواة في الحقوق، إلا أن هذه الرسالة لا تمتد لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة أو لمجابهة الثقافة الأبوية أو لتحقيق العدالة الاجتماعية أو لمساندة قضايا حقوق الانسان في مصر والعالم. ولا يختلف هذا التيار عن التيارات اليمينية الأخرى التي لا تقبل الأخر. فبالرغم من ادعائهم الدفاع عن مبادئ الحرية والمساواة إلا أن التجربة المصرية أثبتت أن أصحاب هذا التيار لا يسعون إلا للحفاظ على حرياتهم وحقوقهم. ويقف أصحاب هذا التيار مع قوانين منع التظاهر والاعتصام، ويرفض تعزيز النقابات والاتحادات المستقلة، ولعب دورا مشينا في تحويل المؤسسات الصحفية والقنوات الاعلامية الخاصة لصورة طبق الأصل من الصحافة والإعلام الحكومي. ويؤمن هذا التيار بالتحرر الاقتصادي والاعتماد على القطاع الخاص كقاطرة رئيسية للتنمية. ويعتمد في فلسفته الاقتصادية علي زيادة الثروة وتشجيع الاستثمار والاهتمام بالتكافل الاجتماعي وليس بالضرورة على تطبيق العدالة الاجتماعية.  يتأرجح هذا التيار ما بين تأييده للاستثمار الأجنبي ومطالبته بحماية الصناعة الوطنية. ليس له رؤي محورية في سياسة مصر الخارجية.
  4. تيار الاخوان المسلمين - يميني محافظ - وقد تم حظره وتجريم أنشطته. ويذكر أن هذا التيار قد أتي إلى الحكم في عهد المجلس العسكري، وأن تمرد الغالبية من الشعب على استمراره جاء نتيجة لفاشية الفكر والسلوك وهو ما أدي إلى تهديد للهوية المصرية واثارة قلق المؤسسة العسكرية على مكاسبها من ثورة ٢٥ يناير وما استتبعها من استعادة نفوذها. وقد يختلف البعض معي ولكني أتصور أن اليمين في مصر أصبح له رصيد مؤثر في الشارع المصري. وسأتناول في مقالي القادم وجهة نظري فيما يخص هؤلاء الذين ما زالوا يتطلعون إلى نظام ديمقراطي في مصر. 
التعليقات