هذا ليس دورها

"الكنيسة تدعو أقباط المهجر للاحتشاد أمام الأمم المتحدة خلال كلمة الرئيس السيسى".. كان هذا هو عنوان الخبر.. أما متن الخبر فجاء كالتالى:

«أصدرت الكنيسة إعلانا مشتركا بين المقر البابوى فى أمريكا وإبرشية نيويورك ونيو إنجلاند، دعت فيه رجال الكنيسة إلى حشد من يستطيعون من الأقباط ليكونوا فى استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وأكدت الكنيسة اهتمام البابا تواضروس بنجاح هذه الزيارة، مشيرة فى إعلانها إلى أن البطريرك انتدب الأنبا يؤانس أسقف أسيوط والأنبا بيمن، أسقف نقادة وقوص للإعداد لهذه الزيارة المهمة، وكشف الإعلان الكنسى عن توفير كل كنيسة وسيلة مواصلات لنقل المواطنين المصريين الذين سيحتشدون أمام مبنى الأمم المتحدة، وذلك يوم الثلاثاء 20 سبتمبر فى موعد إلقاء الرئيس السيسى كلمته».

لا أستطيع أن أحصى عدد المرات التى كتبت فيها وكتب غيرى، مطالبين الكنيسة بأن تنأى بنفسها عن التورط فى السياسة.. فهذا دور مؤسسات العلاقات العامة فى الدولة والتى لا أعرف حقا ما الذى تفعله هذه المؤسسات حتى تقوم الكنيسة القبطية بهذا الدور الذى يخرج تماما عن دورها الروحى والعقائدى والدينى، فدعم الرئيس فى زيارته هو دور هذه المؤسسات التى عليها أن تتوجه إلى روابط المصريين فى أمريكا من أجل الحشد، فهذا الدور هو دور كل المصريين وليس دورا محصورا فى طائفة، وإلا كان شيخ الأزهر قد توجه إلى المساجد هناك من أجل الحشد، وحتى لو تم هذا فهو خطأ وتقسيم طائفى لشعب واحد إزاء مهمة من المفترض أنها وطنية تخص كل المصريين، وفى هذا الصدد لا نكون بحاجة إلى الكنيسة أو حتى الأزهر للدعوة للحشد، بل نكون إزاء تصرف تلقائى من روابط المصريين فى أمريكا بدافع من اقتناعهم بدورهم وليس بحدث دينى يختلط فيه الدينى بالوطنى.

كل هذا كوم والتناقض الذى تقع فيه الكنيسة مع رعاياها كوم آخر نتيجة قيامها بهذا الدور على خلفية ما نال الأقباط فى الفترة الأخيرة منذ أحداث المنيا وما تلاها، فما جرى مازال يترك بصماته على النفسية القبطية، ومازال يؤلم الأقباط الدور الذى لعبته الدولة فى هذه الأحداث وما بعدها من غياب لتطبيق القانون وإحقاق العدالة.. خروج الأقباط للتأييد يجب أن يتم كمصريين وليس كأقباط، فحشر الحشد على أساس العقيدة قد يفسد أكثر كثيرا مما قد يفيد.. والغريب حقا أن تطالب الكنيسة الأرثوذكسية أقباط المهجر بالذات بالخروج والاحتشاد لدعم الرئيس، بينما أقباط المهجر كانوا محل هجوم شديد من الإعلام الرسمى والإعلام الموالى والمتحدث باسم الدولة فى الفترة الأخيرة بالذات إلى حد اتهامهم بالخيانة والعمالة والسعى لهدم الدولة، بسبب اعتراضهم على ما نال الأقباط فى الداخل من عنف وتعنت.. فكيف يخرج للحشد من تآمر ضد الدولة وأراد إسقاطها؟.

مرة أخرى لتخرج الكنيسة من معترك السياسة، فالكنيسة تخسر أكثر مما تكسب حينما تعيد التورط فى هذا الدور الذى هو ليس دورها بالمرة، فهى هنا تستخدم من قبل الدولة وكأنما هى إحدى المؤسسات التى يتم استخدامها فى مثل هذه الأدوار من الحشد للتأييد، بينما هى دورها روحى بالأساس، أما الحشد والتأييد فهما دور المواطن كمواطن بصرف النظر عن عقيدته ويجب أن يقوم بذلك بدافع من إحساسه وقناعته وموقفه من الدولة فى هذه اللحظة، وفى الدول التى تمارس الديمقراطية حقا يتبع المواطن حزبه السياسى فى موقفه ولا يتبع كنيسته أو مسجده.. على الكنيسة القبطية أن تعى درس خمسة وعشرين يناير حينما حثت الأقباط على عدم الخروج فى المظاهرات المناهضة للحكم لكن الأقباط خرجوا بدافع إحساسهم الوطنى بالالتحام مع حركة الشعب المصرى كجزء منه، وكان هذا كسرا لعزلة الأقباط داخل الكنيسة.. فلماذا تريد الكنيسة الآن أن تعيد الأقباط داخل أسوارها لكى يأتمروا بأوامرها؟.

لن أقول اتركوا الأقباط ليتصرفوا طبقا لقناعاتهم، ولكن سأقول اتركوا المصريين ليتصرفوا طبقا لرغباتهم، فلم يحشد أحد المصريين للخروج للتأييد من قبل، بل حركتهم دوافعهم الوطنية وحدها وإيمانهم بدولتهم، وإذا لم يحدث ذلك بشكل فطرى يكون هناك خلل يجب الاعتراف به ولا ينفع معه الحشد.

*نقلا عن المصري اليوم

التعليقات