المهاجرون!

القانون الذى وافق عليه مجلس النواب، يوم الإثنين الماضى (17/10)، بأغلبية كاسحة لمواجهة الهجرة غير المشروعة، إنجاز طيب جاء فى وقته تماما.

فالقانون ينص على معاقبة «كل من يدير، أو يشترك فى، أو يسهل عمليات الهجرة غير المشروعة بالسجن وبالغرامة، كما يفرض التدابير المناسبة لحماية المهاجرين المهربين ومساعدتهم قانونا».

إننى أميل هنا إلى التفرقة بين أمرين مختلفين تماما أولهما أن تكون مصر «معبرا» أو «ترانزيت» للهجرة غير الشرعية لجنسيات أخرى من القارة الأفريقية (سواء من بلاد أفريقيا جنوب الصحراء أو من البلدان الأفريقية العربية- ليبيا بالأساس) تتسلل إلى مصر عبر الحدود الطويلة مع السودان وليبيا. والأمر الثانى هو الهجرة غير المشروعة للشباب المصرى إلى الخارج. فيما يتعلق بالنوع الأول، عاصرنا مبكرا، منذ معاهدة السلام مع إسرائيل، محاولات الهجرة غير المشروعة إلى إسرائيل التى تواطأت فيها حكومات معينة، مثل تهجير يهود الفلاشا الإثيوبيين..

والتى استمرت بعدها محاولات الهجرة الأفريقية بشكل عام. غير أن ما نشهده اليوم هو اتساع محاولات الهجرة غير المشروعة عبر مصر، من خلال ساحلها الشمالى الطويل على البحر المتوسط، إلى بلدان أوروبا فى الشمال، وإيطاليا بالأساس. هذا الجانب من الهجرة غير الشرعية مشكلته بالأساس أمنية تختص بها أجهزة الأمن الداخلية وحرس الحدود والقوات المسلحة... إلخ.

وقد كشفت حادثة «مركب رشيد» الكثير من خباياه ومآسيه، والعصابات الخطيرة التى تقف وراءه. الأمر الثانى، المختلف تماما، الأكثر أهمية، والذى يستحق مناقشة جادة وصريحة هو محنة أن مصر أصبحت مصدرا أو منبعا كبيرا للهجرة غير الشرعية وليست مجرد نقطة عبور!

حقا، إن سفر الشباب المصريين للخارج للعمل وللبحث عن الرزق، فضلا عن التعرف على العالم الخارجى والانفتاح عليه... إلخ، ظاهرة عادية تماما وإيجابية وتعرفها كل بلاد الدنيا، ولكن هذا يختلف تماما عن تلك الموجات الهائلة من الشباب الذين ضاقت بهم سبل العيش فى بلدهم، ووقعوا فريسة العصابات الدولية المحترفة التى صورت لهم إمكانية الهجرة إلى أوروبا عبر المتوسط، ليس من خلال الإجراءات والتأشيرات الشرعية التى استحال عليهم الحصول عليها، وإنما من خلال حشدهم فى السفن التى تلقى بهم على سواحل بلدان شمال المتوسط ليتسللوا للعمل غير الشرعى هناك بحثا عن سراب وأحلام وهمية فى الكسب والثراء.

إنه أمر مؤلم أن تصبح مصر اليوم منبعا لتلك الهجرة، وهى التى كانت قبل سبعين أو ثمانين عاما قبلة لمهاجرين من إيطاليا واليونان والبلقان وأرمينيا وغيرها للعمل والعيش الهادئ فى مصر، تشهد عليهم مقاهى ريش وإيزافيتش فى وسط القاهرة، وعشرات المحال والمطاعم الشهيرة والعريقة والمزدهرة حتى اليوم فى الإسكندرية، بل والعديد من المنشآت والمتاجر ومحال البقالة فى كل أنحاء مصر فى الدلتا وفى الصعيد. إنها بالتأكيد إحدى القضايا الجديرة بالبحث والنقاش فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ!

التعليقات