رسائل من مدرج إعلام!

مازلتُ أعتقد أن الدول الكبرى تقوم على جيش قوى وعظيم.. كما أنها تقوم أيضاً على إعلام قوى وعظيم.. الأول يحمى الوطن.. والثانى يحمى الحقوق والحريات.. وينير الطريق للحاكم.. الإعلام العظيم هو الإعلام المهنى.. الذى لا ينافق الحاكم، ولا يغازل الشعب على حساب الوطن.. كما أنه لا يبثّ الخرافات ولا يقيم حفلات الدجل والشعوذة.. هذا هو مفهومى البسيط، الذى تعلمتُه على يد ملوك المهنة فى إعلام القاهرة!

وقد حرصتُ على إيصال هذه المعانى لطلاب الإعلام فى الجامعات التى حاضرتُ فيها مؤخراً، سواء فى الأكاديمية البحرية، أو الجامعة البريطانية، أو جامعة 6 أكتوبر.. والأخيرة هذه هى أم كليات الإعلام الخاصة، وقد لبيتُ دعوة كريمة من عميدها الأديب الدكتور مرعى مدكور، وكنت سعيداً وهو يبدأ وقائع الاحتفال بالسلام الوطنى وتحية العلم وقراءة القرآن.. فرجل الإعلام لابد أن يتمتع بالوطنية و«الأخلاق» أيضاً!

فلا يختلف رجل الإعلام عن رجل القوات المسلحة.. كلاهما يحمى الوطن.. ولا يستقيم الأمر دون أى منهما.. الأول فى جبهته الخارجية يحمى الحدود.. والثانى فى جبهته الداخلية يحمى القيم والأخلاق، ويحارب الفساد.. كلاهما يحارب.. وكلاهما يحمل السلاح.. وإذا كانت مصر قد حافظت على جيشها قوياً عظيماً، فينبغى أن تحافظ على إعلامها قوياً وعظيماً.. هذا جيش الشعب، وهذا إعلام الشعب، لا النظام الحاكم!

حاولت وأنا أشهد يوم التدريب لطلاب إعلام 6 أكتوبر أن أقول بعض الرسائل البسيطة.. وأن أبث الأمل فى الشباب المتطلع للعمل بالصحافة.. وحاولت أن أشد على أيديهم.. وقدمتُ كلمة بالنيابة عن زملاء المهنة وقيادات العمل الصحفى والإعلامى الذين حضروا.. حرصتُ أن أكون سريعاً موجزاً.. تعهدت أن نقدم لهم أقصى ما نملك من عون.. كنتُ ذات يوم فى المدرجات نفسها، أتلهف على بصيص من الأمل، وقد كان!

ومن اللحظات التى لا تُنسى، تلك اللحظات التى يلتقى فيها الكاتب بالأجيال الجديدة من طلاب المهنة وعشاقها.. فهو يرجع بالذاكرة ليرى نفسه يوم كان فى مقعد الطلاب.. يتذكر نفسه أولاً يوم كان يستمع إلى هذا القادم من بلاط صاحبة الجلالة.. ثم يسرح بعيداً ويحلم.. لماذا لا يكون فى هذا المكان، ومتى يحظى بهذه المكانة؟.. وتتواصل الأجيال، ليكون هو أيضاً من يحكى الحدوتة من جديد، وتستمر الحكاية!

لا نريد الإعلام الجديد أبداً على طريقة «حفلات الزار».. ولا نريد الإعلام الجديد على طريقة المذيعة التى تغير مسار الإعصار.. نريد مذيعين مدربين على المهنة، كما رأينا أجيالاً تعلمنا منهم.. نريد جيلاً يبنى الوطن.. يفهم أن الوطن القوى العظيم، يقوم على إعلام قوى وعظيم.. نحن نعانى من مشكلة كبرى.. فلم أقل للطلاب إن الإعلام يشهد ردة كبرى.. ولم أقل لهم إن العبث فى الإعلام، عبث فى أعمدة الوطن للأسف!

وحين كان الدكتور مدكور يتحدث، تذكرتُ، على الفور، الدكتور عبدالملك عودة «عميد الإعلام والاقتصاد معاً».. كلاهما فيه أبوة وإنسانية.. نجح أن يكسر حاجز الرهبة والخوف.. كان «مدكور» يقول للطلاب اسألوا واغلطوا.. ابحثوا عندنا عن الإجابات.. مهمتنا أن نجيب عن الأسئلة الحائرة.. فمشوار الصحفى يبدأ بالأسئلة!

التعليقات