حرب أكتوبر وشهادة السفير سمير حسنى

(1)

أربعة وأربعون عاما مرت على حرب أكتوبر 1973، تلك الحرب التى زلزلت العالم العربى والغربى وحطمت أسطورة جيش إسرائيل الذى لا يقهر، وشكلت مرحلة تاريخية جديدة لطبيعة الصراع والعلاقات بين العرب وإسرائيل، وفى هذا العام عرضت الصفحة الرسمية للقوات المسلحة تفاصيل وشهادات لأبطال شاركوا فى حرب أكتوبر بالتخطيط والتنفيذ.

(2)

وفى العام الماضى بمناسبة ذكرى الحرب، دعت الإعلامية «منى سلمان» من خلال برنامجها على قناة «دريم» الأبناء والأحفاد للإفراج عن رسائل الآباء الذين حاربوا، وقالت «دعونا نتذكر ونروى لأولادنا إنها حرب كل المصريين»، وكان لدعوتها هذه تشجيع للبعض، ففى هذا العام بدا شغف فى مشاركة بعض القصص والأحداث الخاصة بالحرب من زوايا ورؤى متعددة، فانتشرت صور الآباء والأخوات والأقارب، وتحتها بضعة سطور عن بطولاتهم، والبعض الآخر كتب صفحة أو صفحتين ليسرد بطريقة مفعمة بالحنين وبحب الوطن، وإحدى هذه الشهادات المميزة التى كتبت بطريقة سردية جميلة ومؤثرة هى شهادة السفير «سمير حسنى» عندما تطوع للحرب وانضم لكتائب القتال مع اثنين من أخوته طلاب الجامعة، فى الوقت الذى كان أخوه الرابع الرائد «نادر حسنى» يقاتل على الجبهة وسأعرض بعض المقتطفات منها.

(3)

يقول حسنى: «..وفى صباح اليوم الرابع للتطوع دعانا قائد المعسكر للخروج من خيامنا للاجتماع مع قائد كبير أتى خصيصا لإبلاغنا بقرارات هامة، وفى خيمة قائد المعسكر الكبيرة ألقى القائد الكبير خطبة حماسية قدر فيها حماستنا وشجاعتنا ورغبتنا فى التضحية والمشاركة فى القتال والزود عن الوطن... إلخ وأعلن عن اختيار خمسة متطوعين ليتوجهوا فجر الغد إلى الجبهة للقيام بعمليات خاصة. كنت الأول بين هذه الأسماء، صحوت مبكرا.. طلب منى القائد أن أصعد إلى الشاحنة الأولى بجانب السائق.. ونادى على الأربعة الآخرين ليركبوا، وشرعنا فى التحرك، سألته مترددا إلى أين نحن ذاهبون؟ وسرعان ما قال: إلى القنطرة شرق فصرخت مهللا الله أكبر إلى الجبهة إذن.

وفى إحدى اليالى وقبل إعلان وقف إطلاق النار، وأثناء خدمتى سمعت أصوات قذف غير معتادة،..، كانت قريبة جدا منى، وبعد نحو ساعتين سمعت صوتا عاليا يشتم الجميع بأفظع الصفات وبهيستيرية واضحة، وأخذ هذا الصوت يقترب منى وأنا أقول له: قف، من أنت، من أنت؟ كلمة سر الليل؟ تجاهلنى تماما وواصل سبابه فقررت أن أستخدم بطارية الإضاءة الليلية، فإذا بى أبصر شخصا تلطخه الدماء فى كل أنحاء جسمه، دماء بكل الألوان.. تجمدت فى مكانى ولم أعرف كيف أتصرف فالأوامر كانت واضحة أن أى شخص لا ينطق كلمة سر الليل يطلق الرصاص عليه فورا، وجدتنى أقوم بإيقاظ زملائى فى الخدمة بدبشك البندقية وقاموا مفزوعين وأحاطا بهذا الشخص الذى لم يكن يحمل سلاحا، وتبين بعد إسعافه أنه جندى مصرى قد أغمى عليه جراء شدة القذف فاعتقد المسعفون أنه فارق الحياة مصابا ووضعوه فى غرفة الشهداء فى المدرسة الإعدادية فى القنطرة شرق».

(4)

نحن بحاجة لتوثيق الشهادات وجمعها لكل من شارك من المدنيين والعسكريين فى هذه الحرب، فهى ذاكرة الوطن المضيئة، وهى إرث للأبناء والأحفاد.

التعليقات