نأمل ونَرجو

صعب أن نختار فى تلك الأيام الحزينة موضوعاً للكتابة يَبعُد عما يدور ويجرى فى مصر، صعب أن نبتعد عن حكايات المعارك وأنباء الاستشهاد، صعب أن نسترجع صور تلك الوجوه الشابة التى صعدت إلى بارئها فداء لوطنها، وأن نهنأ بساعات اليوم دون أن تقتحم علينا كل دقيقة منه فننحنى إجلالاً وتقديراً لها وحزناً عليها ودعاء للآباء والأمهات والزوجات والأبناء الذين أهدوا إلى بلدهم هؤلاء الأبطال.

فداء للوطن ذهبوا، وإهمالاً وتقصيراً من الوطن يموت آخرون على الطرق كل يوم. فى خلال الأيام القليلة الماضية، بل فى يوم واحد منها لقى أربعة وعشرون مواطنا مصرعهم فى حوادث طرق بثلاث محافظات، راحوا «فطيس» بالتعبير المصرى المعروف، بلا ذنب وبلا ثمن، والسبب يتكرر دائما ــ الإهمال ــ إهمال حماية المواطنين، خاصة على الطرق السريعة، حدث ذلك فى أسيوط وفى بنى سويف والفيوم وأعلى محور 26 يوليو فى الطريق المؤدى إلى مدينة 6 أكتوبر، والسبب تريللا ضخمة تم إلغاء وجودها فى كل بلاد العالم وبقيت فى مصر فقط تنشر الرعب على الطرقات وتحصد الأرواح بسائقيها المتهورين المتعاطين ــ معظمهم ــ للمخدرات، كم سنة مّرت على صدور قرارات حكومية بتحديد مهلة محددة لإلغاء وجود المقطورات فى مصر ولم تُلغ؟ حوالى عشر سنوات وعندما يقترب الموعد ينشط أصحابها لتعطيل التنفيذ ويستجيب أولى الأمر وتستمر هى فى حصد الأرواح، ستة عشر قتيلا وتسعة مصابين على طريق أسيوط - البحر الأحمر منذ يومين، وثلاثة قتلى وأحد عشر مصابا فى بنى سويف، والسبب ميكروباص مجنون خاطر بركابه فقتلهم، وكان الحادث الثالث أطرافه كالعادة ميكروباص وسيارة ملاكى انفجر إطارها والحصيلة أربعة قتلى وسبعة مصابين. بشر يُقتلون ويصابون بإصابات بالغة ربما تقعدهم عن العمل أو عن السير بقية حياتهم والسبب دائما الرعونة التى لا تجد من يكبح جماحها خاصة على الطرق السريعة.

ومع قرب إصدار قانون المرور الجديد، هل سنتوقع معه انضباطا مروريا افتقدناه طويلا؟ وهل سيسبقه تنظيم للطرق وقواعد واضحة للسير عليها؟ هل سنرى لافتات وعلامات وانتشارا لأجهزة الرادار وللكاميرات؟ وهل سنشهد وجودا لرجال المرور ولمركباتهم السريعة من العربات والدراجات التجارية وتوقيفا سريعا للمخالفات دون مجاملات لفئات ومناصب دون غيرها؟

صحيح أن نظام النقاط الإلكترونية وخصمها من رخص القيادة هو نظام مُطبق فى العديد من دول العالم، فهل نحن بنظامنا المرورى العتيق والقديم وبدون تأهيل للطرق ولرجال المرور، والذى لم نر ملامحه حتى الآن سنتمكن من مواكبة هذا النظام الجديد؟ أشك فى ذلك كثيرا، لكن دعنا نأمل ونرجو.

التعليقات