إرهابى يحصد أرواح المصريين فى هدوء تام

(1)

كيف ننجو من هذا الكابوس، القول أصبح عسيرا ثقيلا، والكلام أصبح مجرد خواء ذى رنين، والفعل أشد سخفا، والصمت أصبح نوعا من الاحتجاج الأخرس، وأصوات الزيف وصيحات المخادعين تعلو فوق كل الأصوات، والإرهاب والغدر لا يعرفان شريعة ولا يخضعان لقانون، وأمواج الدمار تلتف عاليا حول رقابنا وبيوتنا ووطننا، وأصبحنا لا نملك إلا أن نرشف الوجع والحسرة، ونلوك حكمة ضائعة لا توقف المخيلة النازفة.

(2)

أهالى الضحايا لا يملكون إلا أن يقبعوا فى أماكنهم يتجرعون الشجن الحزين، ويتمرغون فى شكاواهم الصامتة، ويغصون فى لجة الجنون، وعليهم أن يحمدوا ربهم بعد أن خلع عليهم الجميع لقب أم، ابن، أخت، والد الشهيد أو الشهيدة، ولم يسأل أحد كيف لهؤلاء أن يعيشوا ذكرى شىء مخيف، كيف عليهم أن يتخلصوا من مشاهد القتل والأشلاء، ربما مما يعزى نفوس أهالى الضحايا فى جريمة الاعتداء على كنيسة مارمينا بحلوان أن الأهالى شاركوا فى حصار الإرهابى والقبض عليه، بعدما ظل يتمشى برشاشه بطول الشارع وعرضه فى هدوء ونشوى، كأنه يتمشى فى حديقة يستنشق ورودها، ومن حين لآخر يطلق بضع رصاصات ليذكّر نفسه قبل الجميع أنه جاء من أجل عمل إرهابى، مشهد ساخر وعدمى وعبثى، لا يمكن إذا قُدم فى عمل سينمائى إلا أن يطعن الجميع فى مصداقيته. لكن هل يصدف أن يحدث هذا بعد أسبوع من خروج مواطنين عقب صلاة الجمعة متوجهين إلى كنيسة «الأمير تادرس» بأطفيح، قاصدين استهدافها على خلفية شائعة مفادها شروع الكنيسة فى تركيب أجراس للصلاة، واقتحموها وهشّموا الكراسى والأيقونات والصلبان، أليس هذا إرهابا؟!.

(3)

الإرهاب أصبح حقيقية واقعة تعشش فى حياتنا اليومية، وأصبح تاريخنا كله معلقا على شطحات التعصب الأعمى وعلى حقد وغل وعقيدة إيمانية فاسدة للإرهابيين الذين وُعدوا بالفردوس وحور العين، وكذلك من لا يحاولون أن يحللوا تحليلا محايدا بعيدا عن التطبيل والطنطنة، الإرهابيون ليسوا فقط الذين يطلقون الرصاص «متسلحين» بالأحزمة الناسفة، ويفجرون الكنائس، ولكن الأخطر منهم الذين يبثون سمومهم فى الأدمغة ويزرعون الفكر المتطرف ويعطون شرعية للتفجير، ألا وهم أعضاء فى قائمة الفتوى الرسمية الذين يكفرون الأقباط ويحرمون تهنئتهم أو مواساتهم، والذين يحرضون على اقتحام الكنائس وهدمها والاستيلاء على محتوياتها، والتحريض على المستنيرين ببلاغات التكفير ودعاوى الحسبة والسجن، وهؤلاء تستضيفهم الفضائيات المصرية وأحيانا تحتفى بهم، كذلك عندما تحل جرائم الاعتداء على المسيحيين بالجلسات العرفية والحكم عليهم بالتهجير من قراهم.

(4)

الإرهاب فكر قبل أن يكون سلاحا، والمؤسسات الدنيية أصبحت مرتعا للعنصرية والطائفية، والإعلام أصبح بؤرة للقيح والصديد الذى يشجع على الإرهاب باستضافته لمن يزرعون ويحرضون على هذا الفكر سواء ارتدوا البدل العصرية، أو الجلاليب وطالت لحاهم إلى ما بعد صدورها، الثقافة فى مصر مأزومة بضراوة كما المثقفين، شعلة التنوير لا تجد من يحملها، والإرهاب لن يقضى عليه بالمؤتمرات والإدانة والشجب وذرف الدموع، يجب علينا كمثقفين أن نرفع هذه الشعلة من جديد عن طريق نشر الفكر التنويرى ووضع رؤى مستقبليىة لإنقاذ الوطن من المرض الذى ينخر فى العقول ويعشش فى مؤسساتنا.

التعليقات