
شيزوفرينيا الجنسية ....
بمجرد أن بدأت وسائل الاعلام المصرية و غير المصرية فى نشر بعض الأخبار عن مناقشة البرلمان لمشروع قانون تقدمت به الحكومة المصرية بشأن تعديل قانون دخول و اقامة الأجانب وشروط منحهم الجنسية المصرية , قامت الدنيا و لم تقعد بكم من ردود الأفعال الساذجة أو المزايدة جعلنى أشعر بالاشمئزاز و مع تحفظاتي الكثيرة على بعض مواقف للبرلمان و الحكومة الا أننى وجدت أن طرح هذا القانون للتعديل أمر طبيعى و ليس بدعة و معمول به فى كل دول العالم المتحضر الا ان معظم وسائل الاعلام خاصة المعادية لمصر صاغت الخبر بشكل يعطى ايحاء أن مصر تبيع الجنسية بسبع ملايين جنيه و على الفور و كعادة معظم رواد مواقع التواصل انتفض الكثيرون منهم ضد القانون دون أى محاولة لقراءة تفاصيله أو مضمونه أو الغرض منه و تم اتهام البرلمان و الحكومة بالعمالة و وصل بهم الجنون بأن اليهود الصهاينة و أولادهم و أحفادهم سيكونون اول المشترين للجنسية المصرية لاستكمال مخطط المؤامرة على مصر هذا على اساس أن مصر ليس لديها أجهزة أمنية ستراجع كل حالة بشكل دقيق أو على أساس أن هناك ملايين من الأجانب سيقفون طوابير للحصول على الجنسية.
و هنا لابد من نقطة نظام و الانتباه جيدا
لقد تنامى مرض خطير فى مجتمعنا مؤخرا و هو انتقاد الشىء و فعله و هذا المرض اسميه الشيزوفرنيا المجتمعية أو الانفصام المجتمعى, فتجد مثلا أحد رجال الدين يحرم الذهاب الى المستشفى فى الحالات الميئوس منها ثم يذهب هو لأغلى مستشفى عندما يكون على فراش الموت و تجد منهم أيضا من ينصحك باختيار المرأة المسلمة المحتشمة المحجبة للزواج منها ثم يتزوج هو من فنانة كان يسمى من هن على شاكلتها بالسافرات و بالعودة الى موضوع المقال و هو ما حدث منذ ايام قليلة فى شأن ردود الافعال على قانون اكتساب الجنسية المصرية , سنجد أن المصريين هم من أكثر الشعوب طلبا للهجرة و كلنا نعرف كم الشباب الذى يهاجر بطرق غير شرعية معرضا نفسه للموت فى مراكب الموت ليس فقط للحصول على جنسية أخرى بل الاقامة الغير شرعية فى أى دولة أوروبية على أمل أن ياتي يوما و يحصل على جنسية هذه الدولة و هناك مواطنين على استعداد لدفع كل ما لديهم من أموال للحصول على تأشيرة لدخول أي بلد أوروبي ثم الذهاب الى هناك على نفس الامل و هو التجنس بجنسية هذا البلد و أنا شخصيا أتفهم هذا تماما و أعرف اسبابه الاقتصادية و الاجتماعية و أحيانا السياسية و لكن عندما يكون لهذا الشخص حساب على فيسبوك و يعلق على قانون الجنسية و ينتقده و يقول مصر مش للبيع و لن نبيع الى آخر هذه الشعارات فهو قولا واحدا يزايد بالوطنية .
ان هناك دول تشترط التنازل عن جنسية الفرد الاصلية للحصول على جنسيتها و على رأسها ألمانيا و هناك الكثيرون من المصريين من الذين تنازلوا عن الجنسية المصرية للحصول على الألمانية فهل نشكك فى وطنيتهم و ولائهم بالطبع لا و انا اعرف منهم الكثيرين و هم لا يقلون وطنية عن أى مصرى بل يتفوقون بوطنيتهم عن مصريين آخرين يحملون الجنسية المصرية وحدها لكنهم على استعداد لبيع هذا الوطن بأقل الاثمان انظروا الى الاخوان الذين باعوا أنفسهم لتركيا و قطر و الاعلاميين المصريين الذين يظهرون فى القناوات و البرامج المعادية لمصر و يحاولون تدمير الوطن لكسب ثقة اعداءه . ماذا عن كل فاسد تسبب فى ايذاء مصر ماذا عن الموظف المعطل لمصالح الناس ماذا عن المرتشى الذى لا يقوم بعمله الا بعد ابتزاز المواطنين هؤلاء يحملون الجنسية المصرية لكنهم ليسوا بمصريين حقيقيين.
ان المزايدة بالوطنية أصبحت مرض آخر خطير انتشر مؤخرا فى المجتمع و أنا أعتبره مع الشيزوفرنيا المجتمعية أحد لعنات هذه الأيام . حب الوطن لم و لن يكن ابدا ببعض المستندات و الأوراق التي تثبت مصريتك حب الوطن هو بالعمل الجاد المخلص و التضحية من أجله لأنه كما قال البابا شنودة رحمه الله "مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطنا يعيش فينا"