جبلاية المنتخب والتسلف المجتمعي

ليس معنى أن منتخبنا خرج من كأس العالم منذ أسابيع قليلة والناس بدأت في نسيان كارثة الأداء لانشغالهم بكوارث أخرى، ليس معناه ان شئ سيثنينا عن الكتابة في فشل منظومة كرة القدم، الرياضة الأهم عند الشعب و متنفسه الوحيد المتبقي بعد ما زادت عليه أعباء الحياة بشكل غير مسبوق.

بعد البحث و التقصي عن معسكر إعداد  منتخب السعودية بلد الحرمين الشريفين و المتهمة دائما بالتشدد و ليس دفاعا عنها علمت الآتي:

المملكة لم ترسل منتخبها لمدينة إسلامية مثل جروزني بحثا عن الجامع و المجتمع المسلم، بل كان مقر إقامته في Saint Petersburg أو سان بطرسبرج كما يسمونها بالعربية لقد تأكدت أيضا أن المنتخب  السعودي لم يصوم رمضان  أثناء فترة الإعداد و أثناء جميع المباريات الودية و ذلك  بعد فتوى إجازت له الإفطار لفهمهم طبيعة المهمة الوطنية التي يقوم بها فريقهم الوطني ، علمت أيضا  أن معسكر المنتخب السعودي كان منضبط و لم تستطع أي نملة دخوله  لتعكير صفو النظام الذي فرضه مدربهم و الذي كان بالصدفة أرجنتيني مثل صديقنا كوبر ، اما إدارة  منتخب الجبلاية أو إدارة جبلاية المنتخب سموها كما تشائون، و كما أكد لنا السيد رئيس الجبلاية في مؤتمر الجبلاية الصحفي عقب الخروج المزري، فقد أقر  جنابه علي فكرة إقامة المعسكر في  مدينة إسلامية بها جوامع و مجتمع إسلامي بحجة أنها ستشعر اللاعبين كأنهم في وطنهم و كأن هذا المنتخب يمثل الاسلام و لا يمثل مصر بجميع عناصرها , هذا بجانب توريط اللاعبين و علي رأسهم محمد صلاح  في مسألة سياسية مثيرة للجدل مع رئيس الشيشان, كما أكد سيادته أن اللاعبين صمموا على صيام رمضان بالكامل في فترة الاعداد و في أثناء المباريات الودية الصعبة مما افقدهم كثيرا من لياقتهم أثناء المباريات الرسمية لأنه طبيا لا يستعيد الجسم عافيته كاملة بعد صيام رمضان إلا بعد اسبوعين على الأقل من انتهاء الصيام  اما عن انضباط معسكر الإقامة أثناء المونديال فحدث و لا حرج و كل الشعب يعرف أكثر مني المساخر التي كانت عنوان لمعسكر فريق مصر القومي ، و عليه مش عاوز اسمع من هنا و رايح اي كلام عن تشدد السعودية و كلمات عن تصدير  الوهابية و الكلام الفاضي ده، التشدد أصبح عندنا و التسلف أصبح العنوان و كل ما يحدث في العالم من إرهاب مصدره فكر سيد قطب و جماعة الإخوان المسلمين الأم التي لم تلد الا إرهابيين و التي أسسها حسن البنا ، ان ثورة ٣٠ /٦ أزاحت المتشددين من الحكم لكنها لم تزيح الفكر المتسلف من المجتمع و لهذا نحن أصبحنا على ما نحن عليه  و قد نتفاجأ قريبا بتحول السعودية الى بلد حديث معاصر .

عندما فازت اللاعبة المصرية نور الشربيني ببطولة العالم و رفعت اسم مصر عاليا سمعت تعليقات من الكثيرين عن زيها القصير و حرمانية لعب الاسكواش للبنات ثم جائت فريدة عثمان بطلة السباحة المصرية لتتوج بذهبية دورة ألعاب البحر المتوسط و التي كانت قد حصدت لمصر العديد من البطولات العالمية تخيلوا معي ماذا كان تعليق المتسلفين عن زي السباحة الرسمي الذي كانت ترتديه فريده لقد تركوا كل هذا الإنجاز الوطني و ذهبوا بعقولهم المريضة إلى نقد ملابس اللاعبات، حتى محمد صلاح اخذ نصيبه منهم و لم يسلم من نقدهم و تكفيرهم احيانا.

إن التسلف الفكري ليس بالضرورة معناه الانتماء لجمعية سلفية أو لحزب سلفي أو حتى مظهريا التشبه بالسلفيين، لكن التسلف هو سلوك في العقل الباطن للكثيرين يتصرف بموجبه الفرد كأنه شخص عادي وسطي لكن في الحقيقة يُخرج ما بداخله من تشدد و غلظة بمجرد اثارته، و قد ترى نفس هذا الفرد يتصرف في مواقف أخرى بحرية كاملة كأنه ليبرالي الهوى. انها الشيزوفرنيا يا سادة .

لا أعلم متي سنستعيد هويتنا الحقيقية التي كانت في قمة رقيها بعد ثورة ١٩ و بدأت في التحلل مع بدء مشروع الصحوة الإسلامية في السبعينات و طبعا يُسأل عن ذلك الرئيس السادات الذي أُحمله جزء كبير من مسؤولية تشويه هويتنا المصرية بعد اتفاقه السياسي مع التيارات الاسلامية المتشددة لضرب تيارات سياسية اخرى و هذا موضوع يطول شرحه قد نفرد له مقال أو أكثر في المستقبل.

التعليقات