الذكرى الرابعة لتجديد الخطاب الديني

مجموعة من الناس تصلي. مجموعة أخرى تمنع المجموعة الأولى من الصلاة. مجموعة ثالثة تثمن عمل المجموعة الثانية، وترى هذا المنع واجبًا. مجموعة رابعة تتابع ما يجري لكن لا تهتز لها شعرة. مجموعة خامسة تعبر عن غضبها لهذا الاعتداء وتشجب هذا الغباء وتندد بالجهل والبلطجة. مجموعة سادسة لا تقوم بدورها، حيث البحث في الأسباب والعوامل التي دفعت بمصريين إلى الشعور بأنهم مهددون ومعرضون للخطر لأن مصريين آخرين يصلون بطريقة مختلفة.

اختلاف الصلوات والعقائد والشخصيات والخبرات والمؤهلات والأولويات والرؤى والأيديولوجيات هو ما يشكل أصل الوجود. ولو أراد الخالق لنا أن نكون صورة طبق الأصل من بعضنا ما اختلفت الأشكال والأنواع والانتماءات.

والانتماء لمصر لم يكن- حتى نحو خمسة عقود مضت- يعتمد على أساس كلمة "مسلم" في خانة الديانة في بطاقات الهوية، لكننا جعلناه هكذا بفعل فاعل. والشعور بالقوة لم يكن في المحروسة مستمدًا من حساب عدد من تركوا هذا الدين ليعتنقوا ذاك الدين، أو بمن يصرخ بصوت أعلى في مئذنة مسجد أو قاعة كنيسة.

وشعور المصري بالتهديد لم يكن يومًا منبعه أن عقيدة جاره مغايرة لعقيدته، أو أن جارته تقول "سعيدة" وليس "السلام عليكم"، أو أن أبناء جاره يذهبون لدار العبادة يوم الأحد وليس يوم الجمعة.

يوم الجمعة الماضي اندلعت "اشتباكات" وفي أقوال أخرى "مشادات" وفي ثالثة "احتكاكات" وفي رابعة "خلافات في وجهات النظر" في قرية دمشاو هاشم في المنيا، بعدما "انتشرت أنباء عن شروع المسيحيين في بناء كنيسة"، فما كان من شباب القرية إلا أن تجمعوا أمام منزل مواطن مسيحي ووقعت "مشادات".

يشار إلى أن "المشادات" شملت اعتداء على بيوت أربعة مواطنين أقباط، ونهب كمية من المشغولات الذهبية والأموال، وتحطيم الأجهزة المنزلية في البيوت الأربعة، وذلك بحسب بيان أصدرته إيبارشية المنيا وأبوقرقاص للأقباط الأرثوذكس.

الطريف والظريف والمثير واللافت للنظر أن البعض من الزملاء ممن صاغوا الخبر ركزوا على إلحاق عبارة "دون الحصول على ترخيص" عقب كل إشارة لـ"الكنيسة" التي أراد أهل القرية من المسيحيين بناءها.

ويتساءل بعض الخبثاء عن الوضع في حال قررت مجموعة من المواطنين التعبير عن رفضهم لبناء زاوية صلاة دون ترخيص، أو تمدد مسجد إلى الرصيف وحرم الشارع دون إذن، أو حتى تحويل قاعات وطرقات أماكن عمل وخدمات، ومن بينها وزارات ومؤسسات ومترو الأنفاق نفسه إلى أماكن صلاة؟!

وللعلم فإن بقية التفاصيل تحتاج كل تفصيلة منها إلى وقفة عميقة ونفس أعمق للفهم والتحليل، وذلك بدءًا ببيانات الشجب والتنديد التي يتم إخراجها فورًا من درج الشجب، وتصريحات "اللحمة الواحدة" و"الوطن الواحد" و"النسيج الواحد" المعدة سلفًا لمثل هذه المناسبات.

وفي مناسبة هذه "المشادات" ألم يحن الوقت لنسأل أنفسنا بهدوء شديد: ما الذي يجعل مجموعة من الشباب تشعر بهذا الكم من الغضب أو التهديد أو الخوف لأن هناك من يود أن يصلي صلوات تختلف عنه؟!

وما هو المخزون المعرفي والثفافي والنفسي الذي ربى لديهم هذه المشاعر؟!

والأهم ما مصدر هذا المخزون (والمستمر في طفحه حتى يومنا هذا)؟!

ألم يحن الوقت- بعدما تم رفع غطاء البالوعة على مدار سنوات سبع ماضية لتعري واقعنا الثقافي والديني والأخلاقي والمعرفي والتعليمي– أن نبدأ عملية  التطهير؟

والتطهير يختلف عن الجوانب القانونية والعقابية (في حال حدوثها).

ألا تستوجب هذه الاعتداءات الصريحة والصارخة التي تمر مرور الكرام (بالأحرى اللئام) البحث عما لحق بأدمغة قطاعات عريضة من الشعب من تشوه عقائدي وتصلب في شرايين الفكر وتكيس في المخ؟!

وبهذه المناسبة أذكر نفسي وإياكم بقرب حلول الذكرى الرابعة لدعوة الرئيس السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، وهي الدعوة المهدورة المغدورة المكلومة، والتي تستحق إحياء ذكراها بشكل يليق بها.

التعليقات