أحبت الدُنيا كُل الدُنيا!
قبل لحظات كانت مقبلة على الدُنيا كل الدُنيا، وفجأة ودون سابق إنذار جاءها الموت، ولا يتبقى لنا سوى الذكرى الطيبة التى حفرتها فى قلوب كل من التقاها، كانت تتنفس الحياة بيننا، فأصبحت طيفًا يتناقله الزملاء على (النت).
منحها الله روحا وملامح تبعث على الاطمئنان والراحة، هكذا قرأت صورها وأنا أتأملها مجددا بعد الخبر الحزين، هل الموت يدفعنا لإعادة تأمل ما كنا نعتقد أننا نعرفه تماما، فنكتشف أبعادا أخرى فى الصورة، لم تستوقفنا فى زحام الحياة؟.. أكيد.
شاهدت الزميلة العزيزة هند موسى فى الأيام الأولى لافتتاح مهرجان (الجونة)، جاءت للسلام علىّ موقنة، ولا أدرى لماذا، أننى أعرف اسمها ولكن ربما تخوننى الذاكرة ولا أربط الاسم بالشكل، ولهذا حرصت وهى تسلم أن تقول هند، أجبتها طبعا وموسى كمان، وضحكنا معا، لتصبح تلك هى اللقطة الثابتة الأخيرة التى لا تفارقنى منذ أن وصلنى الخبر.
نعم كانت بيننا حوارات قصيرة جدا بين الحين والآخر فى المهرجانات المصرية وبعض العروض الفنية الخاصة، فهى من الصحفيات المجتهدات حريصة على تغطية الأحداث فى مواقعها.
لم أصدق الخبر وأنا أقرؤه على الموقع الصحفى الخاص بالمهرجان، حادث مروع أودى بحياة زميلتنا التى لم تتجاوز الـ30 عاما، كانت قد أنهت مهمتها لتغطية الفعاليات، الممتدة على مدى 9 أيام، وقبل أن تستقل العربة المتجهة للقاهرة، أرسلت الصفحة بالإيميل، فهى أيضا رئيسة قسم الفن بجريدة (التحرير)، وهذا يُلقى عليها مسؤولية مضاعفة، تتجاوز مجرد تغطية الحدث لمتابعة كل ما يجرى على الساحة الفنية.
اقتربت من هند بحكم العمل وهى تبدأ المشوار فى جريدة (التحرير)، وذلك قبل نحو 7 سنوات، بعد أن أنهت دراستها بكلية الإعلام، ربما كانت قبلها قد بدأت التدريب فى (اليوم السابع).
من فرط نشاطها، كان يتم تكليفها بمهام متعددة لإنجاز صفحة فنية يومية فى جريدة يرأس تحريرها إبراهيم عيسى، وتشرف على الصفحة الزميلة العزيزة دعاء سلطان، هناك تفاصيل تنفيذية تتولاها هند، كثيرا ما كنا نتواصل بعد إرسال العمود اليومى الذى أكتبه حتى أتاكد أن الأمور مستتبة، بين الحين والآخر تأخذ رأيى فى تحقيق أو تتوثق من معلومة، ولأنها جادة جدا وحريصة على التدقيق، كنت دائما أسارع بالإجابة.
فى الصحافة هناك متغيرات ومياه جديدة تجرى تحت الجسور، ولهذا توقفت عن الكتابة فى (التحرير) سبتمبر 2015، وانتقلت بعدها بشهرين إلى (المصرى اليوم)، وظل بينى وبين هند من حين إلى حين تليفون أو (واتس آب) تسألنى وأجيب، وأشهد أننى عندما أقرأ رأيا منشورا على موقع (التحرير)، أجدها وقد نقلته بكل أمانة وصدق، وهو ما أراه مفتقدا حاليا وبنسبة كبيرة.
ما الذى حدث فى ظهر ذلك اليوم المشؤوم، تفاصيل متعددة ترددت عن شاحنة (تريلا) بمقطورة صدمت السيارة التى كانت تستقلها مع الزميلتين منى الموجى وآية رفعت، والحمدالله أنهما خضعتا لرعاية طبية سريعة وتتماثلان للشفاء.
الله يختار التوقيت الذى يسترد فيه وديعته، وكأنها أرادت أن تظل ممسكة بتفاصيل الحياة الفنية، تحضر الأفلام والندوات وتكتب، ربما لا تتكلم كثيرا ولكنها تتابع كل شىء بدقة.
بعد الخبر، حرصت على أن أفتح (الواتس آب)، وسيلة التواصل الدائمة بيننا، فوجدتها قبل الرحيل بأربعة أيام فقط، قد كتبت بجوار اسمها تلك الجملة التى يقرؤها كل من يتواصل معها، الكلمات مأخوذة عن أغنية لأم كلثوم (أنا حبيت فى عنيك الدنيا كل الدنيا)، كلمة الدنيا تتكرر مرتين فى آخر (بوست)، ثم بعد أيام تودع الدنيا.
لم نرتبط بأى قدر من الصداقة، وكل المكالمات والرسائل لم تكن تحتوى سوى رأى فى فيلم أو أغنية أو ظاهرة فنية، إلا أن رحيلها هزنى وملأنى حزنا، كانت بيننا وقبل أقل من 48 ساعة، لم يعد لدينا الآن سوى صور لها يتناقلها الأصدقاء، ودعت الدنيا وهى تغنى حبا فى الدنيا كل الدنيا!!.
(المصري اليوم)