دعوة ليلوش!!
لم يكن أمام محمد حفظى، رئيس مهرجان القاهرة، سوى حل واحد هو سحب الدعوة التى وجهها إلى المخرج الفرنسى الكبير كلود ليلوش.
أقدر غضب قطاع كبير من السينمائيين والمثقفين، هؤلاء دوافعهم ولا شك نبيلة وليس لهم من هدف سوى الخوف من أن تُصبح تلك نافذة قد يخترقها آخرون ويسقط قرار المقاطعة الثقافية لإسرائيل، إلا أن هناك أيضا من أراد التستر وراء ليلوش، لإحراج رئيس المهرجان داخليا وخارجيا لتصفية حسابات بعيدة تماما عن أى معنى للنبل.
هل ننسى أن د. أحمد زويل حصل على أرفع الأوسمة الإسرائيلية عام 93 وخطب فى الكنيست الإسرائيلى؟، ثانى مصرى يفعلها بعد أنور السادات، ورغم ذلك فى 2009 عدد كبير من المصريين رشحوه رئيسا للجمهورية، وهو بالمناسبة يحمل منذ الثمانينيات الجنسية الأمريكية، أتذكر أيضا الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر الذى أيد قيام الكيان الصهيونى، ورغم ذلك فى 67 استقبله الرئيس جمال عبدالناصر، واحتفى به المثقفون. من يحمل جنسية غير عربية لا يمكن أن نطلب منه تبنى قضايانا العربية، واجبنا هو أن نتواصل معه ليدرك قضيتنا وتفاصيلها وينضم لخندقنا.
عندما رشحت إدارة مهرجان القاهرة (وبالمناسبة أعضاء اللجنة الاستشارية لا علاقة لهم بالإدارة) ممثلة فى رئيسها حفظى، ليلوش- كان هدفهم استقطاب قامة سينمائية عالمية لمصر، لم يحرصوا على أن يراجعوا (السى فى) ويتأكدوا كم مرة زار إسرائيل ولم يسألوا عن ديانته يهوديا أو مسيحيا، كل هذه التفاصيل لم يضعها أى منهم فى الحسبان ولكن فقط إنجاز ليلوش الذى يشهد له العالم، هو الذى احتل المقدمة.
أفهم تماما دوافع حفظى للتراجع عن الدعوة ومحاولته الخروج من تلك المصيدة التى تم دفعه إليها بأقل عدد من الخسائر. المهرجان يريد أن يوحد كل السينمائيين المصريين والعرب، وطالما هناك قطاع منهم مزج بين الموقفين الفنى والسياسى، ولم يفرق بين الجنسيتين العربية والأجنبيىة، فإن الأمر سيؤدى لا محالة إلى أن تُسرق الكاميرا من فعاليات المهرجان، ليتابع الجمهور تلك المعركة الصاخبة، وكعادة المثقفين فى بلادى سوف يوجهون لبعضهم الاتهامات بالتطبيع والعمالة لإسرائيل.
الأمر متعلق فى جزء منه بالوجدان، وعندها تسقط حسابات العقل، مصر تشارك فى المهرجانات السينمائية العالمية الكبرى التى تتواجد فيها إسرائيل، لأننا نخضع لقانون عالمى، إلا أننا فقط استطعنا من خلال الاتحاد الدولى للمنتجين، الذى يقع تحت مظلته مهرجان القاهرة السينمائى الحصول على الموافقة لمنع تواجد أى فيلم إسرائيلى، ولكن من يزر إسرائيل او يحصل على جائزة منها لا يملك المهرجان أن يتخذ موقفا معاديا منه لأنه يدخل فى هذه الحالة ضد الحرية الشخصية.
الأمر معقد جدا ولا يمكن اختصاره أو رؤية كل جوانبه فى تلك المساحة، فهو يحتاج إلى جلسات ومناقشات.
المبدأ الذى لا نحيد عنه هو ألا نسمح بمشاركة فيلم أو فنان إسرائيلى، فى أى مهرجان مصرى أو عربى، أما من ذهب إلى هناك ولا يحمل الجنسية العربية، فعلينا أن نضمه إلى خندقنا، أقول قولى هذا وأنا مدرك تماما أن حفظى أمام هذا الطوفان الجارف، لم يملك سوى سحب دعوة ليلوش!.
(المصري اليوم)