هل خطبة الجمعة من وزير الأوقاف فريضة؟
وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة له محاولات ومجهودات كثيرة فى تنظيم المساجد ومنع المتطرفين من اعتلاء المنابر، وحاول أيضاً منع الميكروفونات وتوحيد الخطبة ومحاصرة السلفيين، ولكن تلك المحاولات لم تلقَ النجاح الكامل، ونشكره على تلك المحاولات والاجتهادات، ونرجوه التفرغ لها وعدم شغل نفسه بخطبة الجمعة كل أسبوع فى مدينة مصرية، خاصة أن كثرة تلك الخطب جعلت معظمها تكراراً يبعث الملل فى نفوس المصلين، آخر خطبة جمعة لوزير الأوقاف قد توافرت فيها كل الشروط التى تجعلنى ألح فى طلبى بأن يركز فى مشروع تجديد الخطاب الدينى والرقابة على المتطرفين السلفيين الذين يعتلون المنابر ويبثون السموم فى عقول المتلقين، وهذه مهمة لو تعلمون عظيمة وجليلة وأفضل ألف مرة من خطاب أمام بعض المئات من المصلين، الذين سينسون خطابه قبل خروجهم من باب المسجد، خطبة الجمعة الماضى من مسجد الشهيد محمد عبدالوهاب سعيد بالسويس، التى من المفروض أنها فى أجواء احتفالات عيدها القومى وانتصارات أكتوبر كان موضوعها الابتلاء بالخير، أى إنك من الممكن أن تُبتلى بالفلوس أو بالصحة.. إلخ، الموضوع نفسه لا علاقة له بالظرف الزمانى أو المكانى، لكن المستمعين رضوا بالأمر الواقع، وقالوا: شىء عظيم وأكيد سنسمع كلاماً يحثنا على العمل والجهد فى زمن يحتاج منا بذل العرق كل دقيقة، وحتماً وزير الأوقاف، وهو أستاذ بلاغة وهو يحفظ تعريفها الذى يقول إنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال، يعرف ما هو مقتضى الحال الآن، ويعرف جيداً كيف ينتقى الكلمات ويحفّز الهمم، أنصت الجميع وشخصت الأبصار إلى أعلى المنبر، حيث يقف فضيلة معالى الوزير، وعينك ما تشوف إلا النور، نصف ساعة يا مؤمن فى حكاية لا أناقش صدقها أو حقيقتها، فالوزير أعلم منى ويقول إنها حديث صحيح، لكنى أناقش هل هذه القصة أو الحديث هو مقتضى الحال فى تلك اللحظة، كما علمتنا البلاغة، التراث ملىء، ولكن فطنة الاختيار هى المحك والمعيار، القصة باختصار شديد عن أبرص وأقرع وأعمى، ربنا أرسل لهم ملاكاً وباختصار شديد ودون الملل الذى غلف إيقاع الخطبة، ودون تكرار نفس الكلام مع كل واحد منهم، المهم أن الملاك بقدرة ربنا شفى كل شخص منهم، وأعطى الأول ناقة «حامل»، والثانى بقرة «حامل»، والثالث شاة «حامل»، وبعد كذا سنة أرسل لهم الله نفس الملاك وهم أثرياء عندهم الضياع والمزارع، وفى كل مرة يتنكر الملاك، مرة أبرص ومرة أقرع ومرة أعمى، ويطلب من كل واحد طلباً، إما ناقة أو بقرة أو غنمة، والذى يرفض يعاقبه الملاك بإرجاعه ثانية، فيجعل الأول أبرص مفلساً كما كان، والثانى أقرع مفلساً كما كان، أما الأعمى فهو الذى نجا، لأنه شكر الله وأعطى للملاك المتنكر «كارت بلانش» أن يأخذ ما يريده من الغنم! نصف ساعة للحكاية، ثم «وأقم الصلاة»، هل هذه خطبة فى زمن الهندسة الوراثية وغزو الفضاء؟!، كان كافياً يا فضيلة وزير الأوقاف أن تنصحنا بشكر الله، شىء عظيم ونحن نفعله، وتنبهنا إلى رقم الصفحة فى الصحيح، لكى نقرأ القصة وتخلصنا وتريحنا، ثم كلّمنا عن المفيد الآن، فى حياتنا، فى واقعنا، فالدين ليس قصصاً لملء فراغ وقت المنابر، عليك أنت ورفاقك من الشيوخ الأفاضل أن تحلوا لنا معضلة التناقض بين زبيبة معظم المرتشين من رؤساء الأحياء والمسئولين الكبار الذين تم ضبطهم فى مكاتبهم فى الشهور الأخيرة، وهم يضعون المصاحف عليها وبجانبها طويت سجاجيد الصلاة تايوانية الصنع انتظاراً لنداء ميكروفون أذان المؤسسة أو المصلحة أو المحافظة!، أن تخبرونا لماذا طغت الطقوس وانتصرت الشكليات؟، وبعدها احكِ لنا عن الثرىّ الأقرع وبقراته، والثعبان الأقرع ولدغاته كما شئت.