تخليص «مصر» من المور«ستان»

هل يعقل أن تكون مصر فى منتصف القرن الماضى أكثر مدنية وتنويرًا مما هى عليه الآن؟

وهل من المنطقى أن تسير حركة التنوير سيرًا عكسيًا؛ حيث ترفع النخب رايات الظلام وأعلام السواد وتقود المجتمع نحو الهاوية؟

وهل من المقبول أن يستمر البعض فى دفن الرؤوس فى الرمال حتى بعد ما اتضح أن النعامة نفسها لا تفعل ذلك؟!

المواجهات الأمنية للإرهاب والإرهابيين تدور على قدم وساق، وهى مواجهات أشبه بالجراحات العاجلة المراد بها استئصال بؤر انتشار المرض القاتل حتى لا يمتد لبقية الجسد.

طيف «منتدى شباب العالم» المقام فى شرم الشيخ فى دورته الثانية حاليًا بالطبع يحوم فى أفق العملية الخسيسة التى حصدت أرواح سبعة شهداء مصريين، وأصابت مثلهم مدروسة التوقيت معروفة الأهداف. ولو سألت طفلاً عن هدف الخسة وتوقيت الجريمة لأجابك دون تفكير «لإفساد المنتدى وإحراج مصر ووأد أى نجاح فى مهده». وقد مهّد الرئيس عبدالفتاح السيسى الأجواء قبل نحو أربعة أعوام لتجديد وتحديث وتنقيح الخطاب الدينى، لكن الطريق ظل مغلقًا بالضبة والمفتاح. أجواء الاستبشار الأولى والتمسك بتلابيب الأمل فى أن تصحو مصر من غفلتها ويستيقظ المصريون من غفوتهم التى طغى فيها هسهس التديين، واستشرت فيها قدسية مظاهر التدين لتنال من الدين نفسه تبددت فى هواء سياسة «أذن من طين والثانية من عجين». وزاد الطين بلة وصول الرسالة واضحة إلى معتنقى التطرف ومحبى التشدد وكل من وقع صريع النسخ المستوردة من التديين المغلوط. قوام الرسالة أن هناك مقاومة عاتية لفكرة التحديث، وأن الغالبية العظمى ممن كان يُنتظر منهم أن يقوموا بالتنقيح، ويشرعوا فى التجديد- راضون كل الرضا عما بين أياديهم من نسخة دينية حولت البلاد إلى مصرستان.

مصرستان التى يحاول الرئيس السيسى أن يفكفك جزيئاتها، ويحلحل مكوناتها، فى ظل مقاومة عتيدة، تحتاج مواجهاتٍ فكريةً وثقافيةً معرفيةً وفنيةً وتعليميةً، بدءًا برياض الأطفال.

وما موضوعات «منتدى شباب العالم» وجلساته ومحاوره الفكرية إلا انعكاس لهذا التوجه الذى يلقى مقاومة عنيفة من كثيرين.

خذ عندك على سبيل المثال لا الحصر، حين تتمحور جلسة بأكملها حول القوة الناعمة فى المجتمع وقدرتها على تشكيل الوعى والتفكير الجمعى عبر الإقناع والحجة وليس بالقهر والإرغام وشراء الأدمغة بالشاى والسكر والزيت أو التهديد والوعيد بجهنم حمراء لمن عصى وجَرُؤ على مناقشة شيخ الزاوية.

ألا يعنى ذلك أن مدرسة مواجهة الفكر بالفكر، ودرء خطر التجنيد والتغييب، عبر سلب الأدمغة قدراتها النقدية وإمكاناتها الذهنية- توافر الرغبة لكسر حلقة التديين المفرغة؟!

وفى ضوء الجريمة الخسيسة الأحدث التى وقعت فى المنيا، وفى ضوء جلسات ومحاور «منتدى شباب العالم» فى شرم الشيخ، ألم يحن الوقت بعد لتطبيق رؤى مواجهة الفكر بالفكر، ودرء خطر التطرف بالإبداع وتكسير قيود التفكير التى فرضها مشايخ التطرف، والاعتراف بأن هناك مقاومة داخلية عنيفة لتخليص «مصر» من المور«ستان» الذى لحق بها على مدار نصف قرن؟!

التعليقات