مهرجان يقفز فوق الجدران ليقدم عروضه في السجن.. «فتوى» التونسي على موجة الناس
أن يذهب عدد من ضيوف المهرجان سنويا مع النجوم وصناع الأفلام للسجن، بل أن يسبق عرض الفيلم التونسى (فى عينيا) داخل عنبر السجن عرضه الأول فى صالات السينما، فتلك سابقة أتصور أنها لم تحدث من قبل، فى أى مهرجان سينمائى، حتى إنهم أطلقوا عليه العرض ما قبل الأول.
نعم فى عدد من السجون توجد فرق للغناء والتمثيل، ولكن أن تعيش المهرجان وتشاهد الأفلام والندوات مع المساجين فهى تجربة استثنائية تستحق التأمل.
قبل أربع سنوات بدأت الفكرة، لكى تقول تونس عمليا للعالم كله كيف يعامل السجين التونسى، هناك أربع زيارات نسقتها إدارة المهرجان، الأولى لمن هم يقضون عقوبة مخففة (الجُنح)، ثم ينتقل إلى الثانية (الجنايات)، حيث الجرائم الأبشع والأحكام أكثر قسوة وغلظة، والمرأة كالعادة فى تونس تتساوى مع الرجل فى كل شىء، حيث ينتقل المهرجان بعدها لسجن النساء.
بدأت هذه الرحلة من خلال منظمة أهلية ترفع شعار (لا للتعذيب)، سألت أحد المسؤولين بها عن أوضاع سجناء الرأى فى تونس؟، الإجابة: لا يوجد، قلت: لا أحد يسمى سجناء الرأى، سجناء رأى، كثيرا ما نتحايل على التوصيف، ونبحث عن أسباب أخرى، ولهذا يقضون العقوبات باعتبارها أحكاما جنائية، وليست سياسية، أكد لى أنهم يدرسون كل الحالات، وأن المجتمع المدنى فى تونس يملك قوة أدبية لا تستطيع الدولة أن تمنعه من ممارسة حقوقه المشروعة فى مراقبة السلطة التنفيذية، والمسجون فى تونس له كل الحقوق، والنشاط لتلك المنظمة يتجاوز أيام مهرجان قرطاج، ليقدم طوال العام حفلات غنائية يحضرها مشاهير المطربين، وفريق التمثيل بالسجن، ينتقل من جدران الزنازين إلى المسارح العامة ويعرضون مسرحياتهم، لأن الغرض الأساسى من العقاب هو الإصلاح قبل العقاب، التخوف من صدمة ما بعد انقضاء مدة العقوبة يجعلهم حريصين على التمهيد للإفراج، المسجون يعيش عادة صدمتين، الأولى السجن بالطبع، والثانية- خاصة إذا ما طال به البقاء داخل القيود- وهى صدمة الحياة بلا جدران، فلا يستطيع أن يتعامل مع المجتمع ببساطة.
ما الذى يعنيه أن تذهب مثلا للسجن وتجد على الجدران شعار المهرجان؟، سوى أن هذا الشعب يعيش الحياة بكل أبعادها، وأنه يعتبر قرطاج هو مهرجانه، لا فرق بين مواطن يتمتع بحريته كاملة أو فقد حريته داخل السجن، إلا أنه لم يفقد انتماءه للوطن.
تشارك تونس بثلاثة أفلام رسميا داخل المهرجان (فتوى) و(ولدى) و(بين عنيا)، أول فيلمين يتناولان تلك التنظيمات الإرهابية التى تتدثر برداء ممزق اسمه الإسلام، رافعين الخنجر بجوار المصحف ويذبحون الأبرياء وهم يرددون الشهادتين.
المخرج التونسى محمود بن محمود، الذى نتذكر له بداياته فى واحد من أهم الأفلام التونسية (عبور)، وكان سيعرض له فى مصر قبل نحو 25 عاما فيلمه (شيشخان)، الذى شارك فى بطولته جميل راتب، الفيلم ناطق باللهجة التونسية وتمت (الدبلجة) إعادة تسجيل الحوار باللهجة المصرية، تجربة وحيدة لم تحقق الرواج فظلت يتيمة، اللهجة جزء من الحالة، فكان من الصعب على الجمهور المصرى أن يتفاعل مع النسخة الناطقة بالعامية المصرية، كما أن شركات التوزيع بطبعها لم تتحمس للتجربة، لأن النجم المصرى جميل راتب ليس من بين نجوم الشباك، جزء كبير من المثقفين فى تونس لم يتحمسوا للفكرة واعبروها خيانة للهجة واعترافا بأنها تُشكل عائقا يقف ضد التلقى.
بالإضافة أن المخرج فاضل الجعايبى الذى شارك محمود الإخراج، اعترض على الأمر برمته.
(الدوبلاج) أو حتى كتابة تعليق باللغة العربية، التى يطلقون عليها (بيضاء)، وهى تلك التى تقترب كثيرا من استخدام المفردات الصحفية البسيطة، كانت أيضا تلك واحدة من القضايا الخلافية التى تحتاج لإطلالة موسعة، لأن الأغلبية من المخرجين (المغاربة)، أقصد فى تونس والجزائر والمغرب، يرفضونها بضراوة.
ويبقى فيلم (فتوى)، الذى تمت صياغته السينمائية ليردد خطاب رجل الشارع فى علاقته بهذا التيار المتشدد الذى لا تزال بقاياه قابعة تحت الأرض، والذى يعلن عن نفسه بين الحين والآخر بعمليات إرهابية انتحارية ممن يطلقون عليهم ذئاباً منفردة، وهكذا كثيرا ما استمعت لتصفيق الجمهور فى الصالة، لأن الفيلم على موجة الناس، إلا أن هذا لم يواكبه رؤية سينمائية ونُكمل غدا!!.