عن «شطة وبيكا» أتكلم!
فى أفراح فنادق (الخمس نجوم) والحوارى والأزقة صار الشباب يغنون ويرقصون على إيقاع مطربى المهرجانات، تداولنا فى الألفية الثالثة تعبير (بيئة) لنصف به تحديدا تلك الأغنيات التى تلقى رواجا جماهيريا، ما دأبنا على وصفهم بـ(النُخبة) ينظرون إليها بتعالٍ. وعندما يريدون توجيه ضربات تحت الحزام لفنان يطلقون عليه (بيئة)، مثلما حدث فى بداية بزوغ صوت شيرين عبد الوهاب، الآن صارت أحد أهم عناوين الغناء العربى الرصين، بينما من أطلقوا عليها مطربة (النُخبة) لم يعد لهم وجود أساسا فى الشارع.
مؤخرا تحركت نقابة الموسيقيين بسبب الضغوط، وقالت إنها ستُخضع الأصوات للجنة تقييم، كانوا يقصدون (مجدى شطة وحمو بيكا)، اللذين حققا شعبية طاغية من خلال تلك الخناقة المفتعلة، والتى دفعتنى إلى أن أستمع إلى بعض أغانيهما، فلم ألحظ إسفافا، ولا خروجا على الآداب، نعم لم أجد فنا يرضى ذوقى وذائقتى، ولكن من قال إننى (ترمومتر) الإبداع فى مصر، لا أحد من حقه أن يتحدث باسم الذوق العام.
عندما يحقق عمل فنى أرقاماً استثنائية لا تستند إلى قيمة إبداعية جمالية، عليك أن تبحث عن الأسباب الاجتماعية التى من أجلها قطع الجمهور التذكرة إلى هذا الفيلم أو تهافت على شراء تلك الأغنية.
الاعتراف هو سيد الأدلة والرقم أيضا، إلا أن هذا لا يعنى أبدا أنه الدليل الوحيد أو العنصر الحاسم، ولكنه ينير لنا طريق التحليل والاكتشاف.
دلالات الأرقام تعنى تغييرا فى مزاج الناس، قد تجد فى ظلالها (شفرة)، تؤكد أن التعامل فى الشارع قد تغيرت مفرداته، ولادة جيل آخر أكثر (روشنة)، له قاموسه المختلف فى إدراكه للمعانى والإيحاءات، هذا الجمهور يبحث عمن يتحدث بلسانه ويهضم مفرداته، هناك أبجدية الجديدة سيطرت على الشارع، ولا أعنى فقط الألفاظ، ولكن لغة التعبير الجسدى بالإيماءة وبالحركة، الإطار الدلالى للكلمة واللمحة ينتقل من النقيض للنقيض.
هناك أعمال فنية فى كل المجالات لها حس (شعبوى) وأخرى تفتقد النبض، (الشعبوية) بالمناسبة لا تعنى (الشعبية)، الأولى هى أن تلتقط، ومع سبق الإصرار، ما يفضله الناس، بينما الثانية هى أن تقدم فنك ونبضك فيردده من بعدك الناس.
فيلم عظيم مثل «المومياء» لشادى عبد السلام، ليس فيلماً تجارياً وجماهيريته تظل محدودة، إلا أنه يكتسب مع الزمن أرضاً جديدة.. بعض الأغانى قد تفتقد فى البداية الانتشار. قبل 30 عاما غنى عبد الوهاب «من غير ليه»، وغنى حمدى باتشان «الأساتوك»، وزعت «الأساتوك» خمسة أضعاف «من غير ليه»، ولم تمر سوى أعوام قليلة وتبخرت «الأساتوك»، وظلت «من غير ليه» لا تبرح الذاكرة.
هناك أعمال فنية مثل عود الكبريت تشتعل مرة واحدة فقط، على المقابل لدينا أعمال فنية لا تتوقف عن الاشتعال.
هل نواجه ما نصفه بالبضاعة الفنية الرديئة بسياسة العصا الغليظة؟، هذا سيؤدى حتما مع تعدد أدوات التواصل إلى زيادة انتشارها، قدموا للناس الجميل سيختفى حتما القبيح، اتركوا (شطة وبيكا) فى حالهما وقدموا للناس حالكم!!.
(المصري اليوم)