العودة إلى ماسبيرو

اعتدنا أن يفتح الحكم فى مصر قضية الإعلام كل فترة حتى أصبحنا وكأننا ندور فى حلقة مفرغة لم نصل فيها بعد إلى خيار حاسم يراهن على تنظيم الإعلام وتحديد الخطوط الحمراء التى يتوقف عندها (قضايا الأمن القومى والعلميات العسكرية فى سيناء مثلا، ومؤسسات بعينها) ويترك لخيارات عشوائية متضاربة أنشأت قنوات تكلفت مليارات الجنيهات لم تؤد المطلوب منها ولم تحقق نجاح يذكر سواء داخل مصر أو خارجها، وبقى السؤال: لماذا لا نعود للخيار المهنى وننظم إعلام الدولة العام وتحديدا ماسبيرو ونعيد هيكلته على أساس معيارين: الأول مهنى يعيد الاعتبار لرجالات الدولة المهنيين الذين عملوا فى مجالات الإعلام لا من ظهروا فجأة وهبطوا بالبراشوت على الإعلام والصحافة ونسوا أو تناسوا إنها مهنة قبل أن تكون ساحة للدعاية السياسية (تأييدا أو معارضة)، والثانى حل مشكلة الخطوط الحمراء التى على الإعلام العام أن يلتزم بها فى ظل الظروف السياسية الحالية ودون أن يعنى ذلك التدخل فى أدق التفاصيل بحذف خبر مثلا بعد أن يكون عرفه كل الناس فى داخل مصر وخارجها.

والمؤكد أن إصلاح الإعلام وفى قلبه التليفزيون المصرى الذى يعمل به 43 ألف موظف هو خيار ليس بالسهل، وله ثمن، ويحتاج إلى إرادة سياسية رئاسية ــ وليس فقط حكوميةــ ولا بديل عنه، إذا أردنا أن نؤسس إعلام الدولة أو إعلام الخدمة العامة وليس إعلام حكومى أو سيادى.

صعوبة إصلاح التليفزيون الحكومى لا تعنى عدم القيام بتلك الخطوة، وإنشاء أو تملك قنوات خاصة (موازية) أخرى إنما بالعمل على تأسيس إعلام مهنى قبل أن نبحث عن إعلام موالى، وهو ينطبق على إعلام الدولة العام وإعلام الأفراد الخاص على السواء.

مطلوب من الإعلام أن ينقل أولا ما يجرى فى الواقع من أخبار متاحة طالما هى ليست من الأخبار المحظورة لا أن يبقى الإعلام أسير أهواء أو قرارات فجائية تجعله متأخرا فى كل شىء عن الإعلام المنافس فى المنطقة والعالم.

مهمة الإعلام أن يعرض جدل السياسيين والفنانين والشعراء والرياضيين وغيرهم ولا يتحول هو إلى متحدث باسمهم ونيابة عنهم، لنجد من يفتى فى السياسة بدلا ممن تبقى من السياسيين ويتحدث باسم الرئيس والسلطة التنفيذية دون أى تفويض، أو يسب سياسيين دون أن يسمح لهم بالرد والتعليق ودون أن يقرأ فى حياته كتاب فى السياسة، وأعتبر ذلك جزءا من حرية الرأى والتعبير.

إن القواعد المهنية التى تحكم عمل الإعلام تعنى تعزيز قيمة النقاش العام داخل المجتمع حول قضايا الصحة والتعليم والخدمات العامة، وهذا لن يتم إلا بإعادة الاعتبار لإعلام الدولة المدنية وعلى رأسه ماسبيرو بإصلاحه وتطويره وفق قواعد مهنية وسياسية واضحة.

التعليقات