مدرسة «ونيس» للأخلاق الحميدة لا تصلح لهذا الزمن!
البطانة ليست كما يعتقد البعض هى فقط تلك التى تشبثت بها رانيا يوسف كخط دفاع أخير، مؤكدة أن البطانة الملعونة هى التى خذلتها، لأنها لم تتشبث كما ينبغى أن يكون التشبث، الرجل أيضا له بطانة، يبحث عنها عندما يريد الدفاع عن نفسه، مع استبعاد بطانة الجاكيت والبنطلون والقميص، البطانة هى الحجة التى لا يصدقها أحد، وأولهم قائلها.
وهكذا كرر صبحى السير على نفس النهج الذى اتبعه سلفه المخرج محمد فاضل، بعد أن وافق على رئاسة المأسوف عليها لجنة الدراما، بين الحين والآخر تستعين الدولة بواجهة لها رصيدها عند الناس، وذلك لتصدير وتمرير قرار رقابى، صبحى يعلم أن المجلس الأعلى فى كل قراراته منوط به أن يلعب دورا رقابيا، والمجلس كثيرا ما يتباهى بهذا الدور، معلنا أنه تمكن من إيقاف هذا المذيع أو منع إعادة تلك الحلقة.
لجنة الدراما منوط بها أن تصبح العصا الغليظة، كما قالت إحدى عضوات اللجنة السابقة فى أكثر من حوار، إلا أن الخطاب المعلن دائما هو أننا لسنا رقباء، وعندما تقول لهم (أمال بالضبط بتعملوا إيه؟) تأتى الإجابة، نضع أفكارا استرشادية لما ينبغى أن تُصبح عليه الأعمال الدرامية، إلا أنها غير ملزمة لأحد، (كادر) ثابت يتكرر، حاول فاضل اتخاذ قرارات رقابية بالحذف أو إيقاف عرض عدد من المسلسلات ولم يأخذ ببعضها مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى، كما أن فاضل كثيرا ما أدلى بأحاديث يضطر مكرم لتصحيحها، فوجد فاضل نفسه أمام الرأى العام مجرد تلميذ يراجعه حضرة الناظر ووجد أن الاستقالة هى الحل.
صبحى وافق على استكمال مسيرة فاضل بعد أن رفضها أكثر من كاتب ومخرج، وبدأ فى استخدام تعبير أن اللجنة ستعمل على (استنهاض الهمم)، ماشى تعبير حلو، هل تصنع لجنة الدراما المناخ اللازم لهذا الاستنهاض أم أنه دور الدولة، وبعدها تترك الساحة الفنية للمبدعين؟، عندما حصل هشام نزيه على جائزة فاتن حمامة للتميز فى الموسيقى التصويرية فى مهرجان القاهرة قال «شكرا لمن نافسونى، هم الذى حفزونى على الإبداع، نعم الفن الجميل هو الذى يخلق الفن الجميل، وليس بمصادرة القبيح».
أيام وسوف يعثر صبحى على عدد من الزملاء ما بين كتاب ونقاد ومخرجين، سوف يكررون سيناريو الاستنهاض، يبيعون نفس البضاعة، ربما يغيرون فقط فى لون تغليف ورقة (السوليفان)، صبحى بطبيعة تكوينه سيمنح اللجنة حضورا أكثر، فاضل يميل أكثر للانسحاب، إلا أن تلك الورقة لا تستطيع أن تضعها فى ميزان الإيجابيات، لأن صبحى سيدخل فى معارك عديدة مدافعا عن الالتزام الأخلاقى المباشر، وفى هذه الحالة سيقتطعون أجزاء من أفلامه ومسرحياته المنتشرة على (النت)، التى لو قيمت مباشرة بمنظار أخلاقى مثل الذى سيطبقه على الآخرين ستتم مصادرتها.
الوجه المتحفظ هو سلاح صبحى، والذى يجد صدى إيجابيا عند الجمهور، هو مثلا يقول نقدم مسلسلا عن المورفين بدون (سرنجة)، وعن الحشيش بدون دخان، طبعا نظريا ممكن، ولكن من حق المخرج إذا وجد أن السرنجة والدخان جزء حتمى أن يصورهما، فى الماضى كان التعبير عن اغتصاب امرأة تراه من خلال فوران اللبن من الكنكة وسقوطه على وابور الجاز، وعندما تقدمنا قليلا أصبح الريح والعواصف والبرق والرعد هى المعادل البصرى للاغتصاب، دلالة على غضب السماء، طبعا من حق الفنان أن يقدم هذا المنهج، ولكن أيضا من يرى غير ذلك لا يمكن مصادرته باعتباره متجاوزاً أخلاقيا.
أتصور أن صبحى الناظر الجديد لمدرسة الأخلاق الحميدة على طريقة مسلسله الأستاذ (ونيس) سيبدد الكثير من وقته وهو يبحث عن (البطانة) التى يبرر بها قبوله رئاسة لجنة الدراما!!
(المصري اليوم)