الراعي الرسمي للأخلاق

كيف ترعى الأخلاق، وتحميها، وتحافظ عليها، وتقيها من الزوال في سبع خطوات؟

أولاً: اضمن أن المحيط العام أو البيئة العامة تبدو محافظة، وتظهر كأنها متحفظة.

العبوس عنوان الوجوه. عدم رد السلام دليل الجدية والبعد عن- عدم المؤاخذة- "المرقعة".

وفي حال قال أحدهم "صباح الخير" أو "مساء الخير" (والعياذ بالله) فلقنه درسًا عنيفًا، ورد السلام قائلاً بلهجة قوامها اللوم، وإطارها التهديد والوعيد بالعذاب الأكيد "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته". أما إذا كانت من رمت السلام امرأة، فارمها بطوبة أو زلطة أيهما أقرب.

ثانيًا: على الرجال تعمد دس الحشرجة في الصوت، والغلظة في الحديث، وحبذا لو البصق على الأرض والتمخط بصوت هادر؛ فهذا دليل الذكورة الرهيبة والهيبة الأكيدة.

أما النساء، فعليهن بالهمس، ويفضل ألا يصدر عنهن صوت من الأصل، فهو- لو تعلمون- يوقظ الغرائز، ويشعل المشاعر، ويجعل الرجل المسكين مسلوب الإرادة هزيل السيطرة.

ويستثنى من ذلك الحالات التي تتطلب زعيق المرأة أو صراخها، إذا ما وجدت نفسها في معركة حامية الوطيس، حيث حقها مهدور، وكرامتها مسلوبة، ولا أحد يساندها، لأننا شعب متدين بالفطرة.

ثالثًا: الفصل بين النساء والرجال في الأفراح والمناسبات الاجتماعية، كما تفعل شعوب نزحنا إليها بحثًا عن قرشين أو أملاً في بناء بيت أو بيتين على ما تبقى من فدان الأرض الزراعية.

وحبذا لو عدت من غربتك، وقررت أن تستثمر في مشروع حلال أو فكرة تذهب لك إلى الجنة، فافتح كافيه "بينك" للسيدات وآخر "بلو" للرجال منعًا للفتنة ودرءًا للشبهة.

فهذا من شأنه أن يحفظ الأخلاق، ويرعى السلوكيات. وإن تصادف أن وجدت نفسك في وسيلة للمواصلات العامة، حيث التحرش بالكائنات الأنثوية أسلوب حياة، إن لم يكن باللمس المباشر، فبالالتصاق اللزج السمج النزق، "فاعمل نفسك ميت أو نائم" أو تمتم بعبارات تصب اللعنات على هذه المرأة أو تلك الفتاة التي أجبرت المسكين على ذلك، لتواجدها البغيض في فضائه العام.

رابعًا: الفضاء العام يجب- كما أسلفنا- أن ينضح بمظاهر الالتزام ويفيض بأشكال الانغلاق.

وكلما انغلقت الأجواء، واندثرت المباهج، كان هذا دليلًا دامغًا على أن الأخلاق باتت حميدة والسلوكيات أضحت قويمة.

وعلى الراغبين في الحفاظ على هذا المظهر العمل بمبدأ "من بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله".

وحتى نبسّط الأمور، خذ عندك مثلًا ربة البيت التي تجعل من بيتها مرآة لامعة من فرط نظافته، ومن ثم تتخلص من بواقي الأسماك والفضلات ذات الروائح الكريهة من نافذة المطبخ لتستقر في منور العمارة.

خامسًا: الأخلاق شأنها شأن الرزق تحب الخفية. فإن شعرت أن المجتمع من حولك أخلاقه منفلتة أو أن تصرفاته فيها قدر من التدني، فسارع بالعثور على أقرب شماعة، وما أكثر الشماعات!

فهذا موظف مرتشٍ؛ لأن الوضع المعيشي صار صعبًا.

وهذا صنايعي حرامي؛ لأن أمين الشرطة يتقاضى رشاوى.

وهذه جموع متحرشة؛ لأن الفتيات يرتدين ملابس تعني أنهن سيئات السمعة، ويبحثن عن التحرش... وهلمّ جرا.

سادسًا: وقد جرى العرف على أن الأخلاق بالطبع كائن قاصر؛ لا يدرك مصلحة نفسه، ومن ثم فإنها في حاجة إلى ولي أمر يقوم عليها، ويحميها، ويتحدث باسمها، ويؤكد على ملكيتها.

ومسألة الملكية بالغة الأهمية، إذ إنه لا يسمح لأكثر من جهة بأن يرتبط اسمها بالأخلاق.

فإذا اقتنصها "س" صارت في حوزته، وإن استحوذ عليها "ص" أصبحت على ذمته.

وهذا يعني أن المسار الوحيد والطريق الأكيد لضمان بقائها في جعبة مالكها هو ساحات المحاكم.

فها هو محامٍ يرفع قضية على ممثلة هنا، لأنها أضرت بملكيته الخاصة، وآخر يجرجر مفكرًا لأنه يرى أنه كتب مقالاً يحمل تحريضًا أو ألّف رواية فيها شبهة نشر فسق وفجور.

سابعًا: إن أعْيتك السبل، وأتعبتك الوسائل لحماية الأخلاق، فعليك بأقصر الطرق ألا وهو غمسها في محلول قوامه التحريم!

وفي اللحظة التي يهجم عليك أحدهم مطالبًا إياك بالتفكير أو التعقل أو التمنطق، ارمِ عليه تهمة الحرام، وستجده وقد لجأ إلى التقوقع، واضطر إلى الابتعاد عن ساحة الأخلاق، ليبقى المجتمع شريفًا عفيفًا محافظًا على الأخلاق.

 

التعليقات