انتصار العمى.. القرنية كمان وكمان
لو يعرف الإعلامى الذى يتصدى لموضوع طبى بدون فهم كم يرتكب من جرائم، لو يعلم ساكن الفيس بوك الذى يدلى بدلوه فى الطب لمجرد الشو كم مريضاً يعانى من جراء لايكاته! لو صمت رجل الدين وعاد إلى الأطباء قبل إصدار فتواه لأنقذ الملايين من براثن الموت، بعد الضجة التى حدثت فى قضية زرع أو ترقيع القرنية، زاد طابور انتظار المرضى عشرة أضعاف، عقارب الزمن تقترب من لحظة العمى وهم يلهثون ويصرخون وبعضهم يسقط فى فخ الاكتئاب والانتحار بسبب اليأس، والسبب جهل التناول الإعلامى ورعونة القرار الإدارى ورعب الجميع من السجن والتشريد، وصلتنى تلك الرسالة من د. ماريان جرجس أخصائى طب وجراحة العيون تقول:
إن القرنية جزء من عضو وليست عضواً بمفرده، فهى أول مستقبل للضوء، فبدون صفاء وشفافية القرنية لما وصل الضوء للعين بأكملها.
وهنا تأتى مشكلات عتامة القرنية، المنقسمة إلى أنواع كثيرة وأسباب أكثر، فالعتامة قد تكون خلقية أو بسبب قرحة مسبقة أو بسبب صدمة إثر حادث، ولكن النوع الأخطر هو العتامة الخلقية أو نتيجة صدمة فى الولادة، أى أثناء الولادة، لأن العتامة فى حداثة السن تهدد وصول الضوء للشبكية، مما يترتب عليه عدم اكتمال نمو مركز الإبصار والشبكية وكسل العين المصابة فيما بعد.
إذا كانت العتامة صغيرة وغير مؤثرة على مجال الرؤية فمن الممكن إصلاحها فيما بعد، أما إذا كانت تهدد الرؤية فيجب أن يتم إجراء جراحة تداخلية على الفور.
عامل الوقت فى إجراء عملية ترقيع القرنية مهم جداً فى الأطفال وصغار السن وحديثى الولادة، ولكن بعد سن العشر سنوات لا يكون بنفس الأهمية، لأن بعد هذا العمر يكون قد اكتمل نمو الشبكية ولا يهدد العين بالكسل.
ومن هنا تأتى مأساة جراحة ترقيع القرنية، وعلى الرغم من سهولة الجراحة من الناحية الفنية، لكن يبقى التحدى الأكبر فى عالمنا الشرق أوسطى: «من أين نحصل على الرقعة أو القرنيات؟».
ففى العالم الآخر لا يشكل ذلك أى صعوبة، فهناك حسم القوم أمرهم وأجازوا بل تم تقنين زراعة ونقل الأعضاء بسهولة ويُسر وفى وقت وجيز، أما نحن فما زلنا نجادل ونجعجع على جزء من عضو! ونأخذها بشكل عاطفى تارة وبشكل دينى تارة وما إلى ذلك من انتهاك حرمة الموتى.. إلخ، لا أعلم ما هو الأكثر خطراً: زيادة عدد فاقدى البصر فى المجتمع أم نقل جزء من عضو لا يشوه عين المتوفى لإنقاذ مصير رضيع أو طفل؟ أم الأفضل أن نستوردها من أمريكا وإسرائيل بآلاف الدولارات، هنا تتنحى الحرمانية جانباً؟
فى الوقت الذى ما زلنا نجادل عن مشروعية ترقيع القرنية، والجدير بالذكر ولا يمكن أن نتحدث عن القرنية دون ذكر العالم الطبيب الهندى «هارميندر دوا» الذى أثبت بالحقيقة العلمية أن القرنية لا تتكون من خمس رقائق أو طبقات بل ست طبقات! فى عام 2013 م وقد سمَّاها طبقة دوا وترتيبها الرابع فى الرقائق وقد تغيرت كل الكتب العلمية الرمدية منذ ذلك الوقت فى شرحها التشريحى للقرنية من خمس طبقات إلى ست طبقات.
ونحن ما زلنا نهدر آلاف القرنيات الصالحة للزرع وإنقاذ بصر آلاف الذين هم على قائمة انتظار تصل لسبع سنوات ونرى فى ذلك الصلاح.