د. نبيل: شكراً

مع احتفالات عيد الميلاد المجيد ازدانت بعض شوارعنا ونوادينا ومبانينا بالأشجار والألوان والأضواء. زينات تبهج القلب وتدعو إلى الفرحة والتفاؤل بالسنة الجديدة، وتعيدنى بشكل خاص إلى بهجة شوارعنا زمان وعلى مدار العام، عندما كان الأراجوز يجول فى كل مكان بصوته الطفولى وحركاته المضحكة وتعليقاته الذكية واشتباكه مع مشاكسيه، كان الأطفال يلتفون حوله ويتتبعون تحركه من شارع إلى شارع والضحكات تعلو وجوههم.

ومع الأراجوز كان عازف البيانولا يرقص ويغنى ويدور على الجميع بالبرنيطة الشهيرة، وكان القرداتى وعجين الفلاحة والأوكروبات ونافخ النار واستعراضات الدراجات والفرق الموسيقية على الكورنيش وفى الميادين العامة، كان الشارع النظيف والمرتب يموج بالبهجة للكبار والصغار.

لذا كان قرار اليونسكو بالاعتراف بـ«الأراجوز» وتسجيله على قوائم التراث العالمى كإرث مصرى خاص شديد التميز كان قراراً له معنى خاص، وهو اعتراف بأنه جزء مؤثر وأصيل فى مصر وفى الثقافة الإنسانية ككل.

وحتى نكون منصفين فإن رد الفضل لصاحبه واجب، وصاحب الفضل هنا أرقب نشاطه منذ سنوات، لم يهدأ خلالها ولم يفقد الأمل أبداً فى استعادة فن الأراجوز فى مصر، فى الوقت الذى يحاول فيه كثيرون إثناءه عن حماسه وتنبيهه إلى الفارق بين أطفال اليوم وأطفال زمان، فهم منشغلون بالموبايلات وأجهزة الكمبيوتر وغارقون فى هذا العالم الافتراضى الذى تقدمه لهم وسائل التواصل الاجتماعى، ولم يعد الأراجوز ولا العرائس المتحركة ولا أى من تلك المفردات التقليدية القديمة تثير اهتمامهم.

لكن د. نبيل بهجت، أستاذ المسرح بجامعة حلوان ومؤسس وصاحب فرقة «ومضة» التى أسسها لاحتضان فن الأراجوز وخيال الظل، وهو كاتب لأعمالها وصانع الدمى الخاصة بها، آمن- كما يقول- بأن التراث الشعبى هو أحد مصادر تشكيل الوعى والتأريخ للذاكرة المصرية، وبدأ رحلته عبر شوارع القاهرة القديمة كى يلتقط بعضا من فنانى الأراجوز، وكوّن فرقته التى ابتدعت ورشاً تعليمية وعروضاً مجانية فى بيت السحيمى وأنتج ستا وثلاثين مسرحية عرضت فى أكثر من ثلاثين دولة وبكل اللغات، وأصدر كتابين بالعربية والإنجليزية تحت اسم الأراجوز المصرى، وتسعة عشر فيلماً وثائقياً وقام بتدريب كوادر شابة أصبحت قادرة على العطاء فى هذا الفن.

توج الدكتور نبيل بهجت عمله بإعداده- وعلى نفقته الخاصة- ملف الأراجوز الذى تقدمت به مصر إلى اليونسكو، وحصلت من خلاله على هذا الاعتراف الدولى بفن الأراجوز المصرى الصميم.

التعليقات