101 عام

يمر اليوم قرن وعام على ميلاد جمال عبدالناصر، وتتكرر الخناقة السنوية بصورة أقل، لأنها عادة ما تشتعل بصورة أكبر حول سياساته فى ذكرى وفاته وذكرى ثورة يوليو.

والحقيقة أن تجربة عبدالناصر محل نقد واختلاف وتأييد ورفض مشروع، فكل التجارب الإنسانية الكبرى لم يتفق عليها البشر، فمن حق الليبراليين أن يعتبروا أن عبدالناصر أحدث قطيعة مع التجربة شبه الليبرالية الوحيدة ببناء نظام الحزب الواحد، ومن حق بعض الشيوعيين أن يعتبروا أن اشتراكيته لم تكن جذرية، وسمحت بدور للرأسمالية الوطنية، ومن حق مصريين وعرب أن يرفضوا كل أو جانبا من سياساته بسبب تضررهم منها، مثلما من حق غالبية كاسحة أخرى أن تؤيده عن قناعة.

والحقيقة أن المعضلة مع عبدالناصر ليست فى وجود مؤيدين ومعارضين كاملى الحقوق والأهلية، إنما فى وجود إصرار على ضرب قيمة الشعب فى اختيار زعمائه، وتحويل قضية الاختلاف مع سياسات عبدالناصر إلى عملية منظمة لإقناع الناس بأن زعيمكم الأكثر شعبية كان فاشلا فى كل شىء، حتى يفقد الشعب الثقة فى نفسه وفى اختياراته.

عبدالناصر أخطأ وأصاب، وحب الناس له لأنه عبر عن أغلبهم فى انحيازاته السياسية وتوجهاته الاجتماعية، كما أنه كان بطل تحرر وطنى لدول العالم العربى والعالم الثالث، لأن فى ذلك الوقت كانت أولوية الشعوب المحتلة هى الاستقلال والتحرر وليس الديمقراطية.

لقد انتصر عبدالناصر انتصارا ساحقا فى 56 ضد القوى الاستعمارية، وقاوم وصمد عسكريا، وانسحبت الجيوش الغازية من سيناء، وغيّر خريطة العالم سياسيا بإنهاء عصر الاستعمار وبزوغ عصر الاستقلال الوطنى، وأصبح الرجل قائدا ملهما لكل شعوب الثالث، وغيّر موازين القوة فى النظام العالمى الجديد وفق كل الكتابات الغربية والعربية المحترمة، ومع ذلك هناك من يزور الحقائق ويعتبره هُزم فى 56.

تكلم عبدالناصر عن الشعب فى كل خطبه باحترام غير مسبوق، ووصفه بالقائد المعلم، وكان خطابه السياسى وإعلامه يردد بشكل دائم مفردات من نوع «نضال الشعب العربى والمصرى، صوت الجماهير، حقوق الضعفاء»، وبدت الدولة فى عهده (رغم أخطائها الكثيرة) تعمل لصالح الشعب وليس العكس، وحين كان يتحدث عن الجيش كانت الكلمة المحببة للجميع هى جيش الشعب، مع الشعار الخالد: «بالجيش والشعب سنكمل المشوار».

آمن عبدالناصر قولا وفعلا بالجماهير، وهذا أحد الأسباب الرئيسية وراء الهجوم عليه، وظهر تيار لا يعارض ولا يختلف على سياساته (فهى حق متاح للجميع)، إنما يعمل على إقناع الناس كل يوم بأنهم جهلاء وغير قادرين على أن يختاروا، وأن خيارهم وزعيمهم الأكثر شعبية- أى ناصر- يحمل كل سوءات الدنيا.

رحم الله كل زعماء مصر الشعبيين، من سعد زغلول، مرورا بمصطفى النحاس، حتى جمال عبدالناصر.

التعليقات