عيب

كلما صادفنى فيلم سينمائى جديد، وكلما استغرقتنى تفاصيله وأثار فى ذهنى تتابع مشاهده العديد من التساؤلات المختلطة بالدهشة والبهجة، تملكتنى حالة من التساؤل: لماذا ينعم سكان القاهرة العاصمة فقط بتلك المتعة السينمائية الفنية، خاصة فيما يخص الأفلام الأجنبية؟، لماذا فى القاهرة فقط وعلى استحياء الإسكندرية؟، عندما كان تعدادنا فى مصر لا يتعدى العشرين مليوناً كان عدد دور العرض السينمائى يفوق الأربعمائة والخمسين، الآن وقد فاق عددنا المئة مليون نسمة لم نعد نملك سوى خمسمائة دار للعرض فقط، وكثير من محافظات مصر لم يعد بها دار سينما واحدة، وإن وجدت فهى فى حالة فقيرة ضعيفة، حتى فى الإسكندرية، ثانية أهم المدن المصرية، أغَلقت سينماتها الشهيرة القديمة أبوابها وتهالكت البقية الباقية منها، وما تتضمنه المراكز التجارية هناك من قاعات صغيرة لا يمثل وجوداً حقيقياً للسينما فى عاصمة مصر الثانية.

فى الصعيد وفى سوهاج وأسيوط، على سبيل المثال، حيث يعيش الملايين من سكان مصر بعيدين عن مراكز الإشعاع الثقافى فى العاصمة، لم تعد توجد دور للعرض السينمائى، وإن وجدت واحدة أو اثنتان منها فهما فى حالة يرُثى لها لا تشجع أسراً أو أفراداً على الذهاب إليها، وفى الوجه البحرى، حيث المنصورة ودمياط على سبيل المثال، وقد عاصرت دور السينما بها، تراجع الحال تماماً. بالمنصورة زمان كان هناك أكثر من خمس سينمات الآن بها اثنتان فقط، أما مدينة دمياط فقد أغلقت كل دور العرض السينمائى أبوابها بالضبة والمفتاح منذ زمن ولم تتبق إلا واحدة هزيلة فقط، وهكذا الحال فى بقية المدن المصرية شمالاً وجنوباً.

تزامن إغلاق، بل وتدمير، دور العرض السينمائى فى مصر مع موجتين، الأولى هى موجة الإرهاب والتشدد والتدين الشكلى، وللأسف لم تكن الدولة منذ أكثر من ثلاثين عاما واعية لهذه الهجمة الظلامية التى أتت على معظم دور العروض الفنية، أما الموجة الثانية فكانت هوجة إقامة المراكز التجارية والأبراج على أنقاض القصور والمبانى القديمة التى سارع أصحابها فى بيعها تخلصا من أصول عقارية لا تدر دخلاً بفعل قوانين الإيجار القديمة، وكان بيعها للأغنياء الجدد حلاً واقعياً.

الآن وبعد كل تلك السنوات لا يشاهد السينما فى مصر- تقريبا- إلا سكان القاهرة، وكما سبق وقال معقبا على هذا الحال المخرج القدير مجدى أحمد على (عيب) عيب أن نترك هذا الوضع على ما هو عليه لصالح المقاهى والشيشة ورفاق السوء والأيام الفارغة الخالية من المتعة الفنية أمام الشباب المصرى المحروم من هذا الفن البديع فى معظم أرجاء مصر. وأرى أن مسؤولية إنشاء دور عرض سينمائية جديدة لا يجب أن تترك لغير وزارة الثقافة، وهذا نداء لوزيرتها الفنانة د. إيناس عبد الدايم.

(المصري اليوم)

 

التعليقات