ماذا لو لم تضحك أم كلثوم؟!!
الدموع التى لا تُنسى ليست تلك التى نراها تنهمر من نجوم التراجيديا أمثال يوسف وهبى وأمينة رزق وحسين رياض وعبدالوارث عسر وغيرهم، ولكنها تلك التى رأيناها على الشاشة أو عرفناها بعيدا عن الشاشة لنجوم الكوميديا، هؤلاء الذين يملأون الدُنيا ضحكاً، ثم فجأة تفيض عيونهم بالبكاء.هل يستطيع أحد أن ينسى مثلا نجيب الريحانى فى فيلم «غزل البنات» وهو يبكى عندما يستمع إلى محمد عبد الوهاب (ضحيت هنايا فداه / وحاعيش على ذكراه)، وبعدها يغنى مع ليلى مراد (علشانك إنت أنكوى / بالنار وألقح جتتى) ثم تغلبه الدموع، وهو المشهد الذى اختاره أنور وجدى لينهى به الفيلم، حيث رحل الريحانى قبل تصوير المشهد الأخير.
نجم الكوميديا حتى بعيدا عن الكاميرا أو خشبة المسرح، نتوقع منه أن يكون سريع البديهة، حاضر النكتة، صاروخ القفشة.
مثلا إسماعيل يس كان الناس ينتظرون منه لو التقوه فى الشارع أن يروى لهم آخر نكتة، وعندما يصمت، ينعتونه قائلين (يا بقو)، وبرغم غضبه فهم يواصلون الضحك، عدد كبير من نجوم الكوميديا كانت نهاياتهم مؤلمة مثل عبد الفتاح القصرى صاحب الجملة الشهيرة (كلمتى مش ح تنزل الأرض أبدا)، مات بعد أن أنزلوه هو شخصيا تحت الأرض، ضريرا فقيرا فاقدا الذاكرة، يمد يده من شباك غرفة فى (البدرون) يشحت سيجارة (فرط) من المارة، والأطفال يهتفون قائلين (العبيط أهُه).. عبدالسلام النابلسى ورياض القصبجى وزينات صدقى ويونس شلبى وسعيد صالح وغيرهم عندما رحلوا كانت الأضواء والنجومية والفلوس قد غادرتهم، ولم يعد لديهم سوى الحسرة والبكاء على زمن كانوا هم فيه عنوان البهجة وسر السعادة.
لا يوجد كوميديان يضحك 24 ساعة، بل هم على عكس ما يبدو، الأقرب للبكاء، كان مثلا فؤاد المهندس دمعته قريبة، عبدالمنعم مدبولى عندما يؤدى دورا تراجيديا يُبكى الملايين.
نجيب محفوظ قال إنه فى جلسة مع الملحن الشيخ زكريا أحمد، قال لهم زكريا إن بيرم التونسى الزجال وصاحب أشهر المجلات الفنية الضاحكة سوف يسهر معهم فى الغد، وانتظر محفوظ الغد أن يُصبح ليلة ليلاء كلها فرفشة وضحك للركب، فلم ينطق بيرم أساسا بكلمة توحد الله.
صلاح جاهين، فنان الكاريكاتير والشاعر خفيف الظل مات مكتئبا، وهى نفس النهاية التى واجهت صديقته الأقرب (زوزو) سعاد حسنى.. صالحتنا على الدنيا، بينما رحلت وهى على خصام مع الدنيا.
ما نتصورهم ضاحكين ومضحكين قد يغضبهم هذا التوقع المسبق.. رأت أم كلثوم لأول مرة نجيب الريحانى وجهاً لوجه فى نهاية الأربعينيات فى أحد فنادق الإسكندرية، لم تستطع أن توقف ضحكاتها، فما كان من الريحانى سوى أن انصرف غاضباً ولم يتم التعارف بين قمتى الغناء والكوميديا فى مصر!.
استمعت مجددا إلى «أم كلثوم» وهى تروى تلك الحكاية فى مذكراتها التى سجلها لها الإذاعى وجدى الحكيم.غضب «نجيب الريحانى» وهو يعلم بالطبع أن «أم كلثوم» لم تقصد إهانته، ربما كان فى حالة مزاجية غير رائقة فانفجر غاضباً، بعد أن انفجرت هى قبله ضاحكة، ماذا لو بادلها الضحكة بضحكة؟.. ألم نكن قد زاد رصيدنا من الأفلام واحدا لا يُنسى يجمع بين قمتى الغناء والكوميديا، ماذا لو لم تضحك أم كلثوم؟!، مع الأسف ضحكت ثومة!!.