سينما لا تعرف «تابوهات» ورقابة مصرية مغلوبة على أمرها!
فى اللحظات الأخيرة ألغت إدارة مهرجان برلين عرض الفيلم الصينى (ثانية واحدة) للمخرج الشهير زانج ييمو، صاحب الرصيد الضخم من الجوائز العالمية، والتى بدأت بفيلم (الذرة الحمراء) الحاصل قبل 32 عاما على (الدب الذهبى) فى (برلين)، كما أنه توج بـ(أسد) فينسيا و(سعفة) كان وغيرها، وبالمناسبة كرمه مهرجان القاهرة قبل 7 أعوام.
كان مقررا عرض فيلمه الجديد مساء الغد الذى كان مرشحا بقوة لأكثر من جائزة، الفيلم يتناول الثورة الثقافية التى اندلعت فى الستينيات، لا الصين منعت سفر نسخة الفيلم ولا إدارة المهرجان اعترضت، أو اكتشفت فجأة شيئا قد يساء تفسيره، فلا توجد فى الثقافة الغربية مثل هذه التأويلات، ولكن لأسباب تقنية بحتة متعلقة بالنسخة، ولخوف إدارة المهرجان من ظلم الفيلم بسبب هذا العيب الخارج عن إرادتها، تم الاستبعاد، وهى سابقة قطعاً خطيرة، وتؤثر بالسلب على سمعة المهرجان العريق، بل تعتبر ورقة سوداء فى تاريخ مدير المهرجان الناقد ديتر كوسليك الذى ينهى بعد 19 دورة رحلته مع برلين، فكان ختامها، كما تلاحظون، ليس مسكاً على الإطلاق بل فضيحة، من الواضح أنها (بتحصل فى أحسن المهرجانات)، وليس فقط عندنا، وإن كانت قد جاءت لصالح المرأة التى تدعمها بقوة برلين، حيث باتت الأفلام التى تتسابق رسميا، 16 فقط، نصيب المخرجين الرجال منها 9 والنساء 7، وهكذا ضاق الفارق العددى بين الجنسين.
الرقابة الصينية بريئة، فلم تعد لديها تلك القبضة الصارمة الحديدية التى كانت لها فى الماضى، فهى لم تعترض على السماح مثلا بسفر النسخة، مثلما حدث فى عام 97 ومنعت فى اللحظات الأخيرة أحد الأفلام الصينية من المشاركة فى (كان)، بحجة أن الفيلم عليه ملاحظات سياسية، وهو ما دفع إدارة مهرجان (كان) وقتها لعرض فيلم يوسف شاهين (المصير) فى المسابقة، وهو العام الذى تم فيه تتويجه بجائزة (كان) الذهبية عن الإنجاز بمناسبة مرور 50 دورة على المهرجان.
يشارك فى برلين عدد من الزملاء لا يكتفون فقط بالاستمتاع بالأفلام والكتابة عنها، بل هناك دائما هدف آخر وهو التعاقد مع موزعى تلك الأفلام لعرضها فى المهرجانات التى يشاركون فى إدارتها مثل (القاهرة) و(الجونة)، من المؤكد أن السؤال الذى يؤرقهم بعد الاطمئنان على مستوى الفيلم فنيا، هل هو صالح للعرض؟، تواجد فيلم رسمى أو فى أى من العروض الموازية يمنحه ورقة لصالحه، ولكن تبقى المعايير الرقابية، هل يجوز عرض هذه الأفلام فى مصر؟، أتذكر أن الفيلم المغربى للمخرج نبيل عيوش (الزين اللى فيك) الذى عرض قبل أربعة أعوام فى قسم (أسبوعى المخرجين) بمهرجان (كان) واجه صعوبة فى العرض، ليس فقط فى المهرجانات العربية، ولكن فى المملكة المغربية، برغم حصول المخرج على دعم من المركز السينمائى هناك، السبب أن البعض فى المغرب اعتبره مسيئا لسمعة الوطن والفتاة المغربية، لأنه يتناول فى جزء من أحداثه فتيات ليل، بينما فى المهرجانات العربية مثل (القاهرة) استشعروا مسبقا أن الرقابة لن ترحب به، ومن المعروف أن المهرجانات لا تملك الحذف، إما أن يعرض الفيلم كاملا أو لا يعرض.
وليست كل أسباب الرفض بالضرورة أخلاقية، السياسة أحيانا تلعب دورها، مثل فيلم تامر السعيد، الذى عرض قبل ثلاثة أعوام فى مهرجان برلين (آخر أيام المدينة)، وهو ينطبق عليه توصيف (ساقط قيد)، فلا يملك المخرج ورقة رسمية، تؤكد أن الرقابة ترفض عرض الفيلم، ولا لديه ورقة تتيح العرض، رغم أنه عرض فى (برلين) فى قسم (البانوراما) وحصل على جائزة (كاليجارى)، وأيضا حصد أكثر من جائزة عالمية أخرى، كما أنه كان مرشحاً لتمثيل مصر فى مهرجان القاهرة السينمائى، وأعلنت إدارة المهرجان هذا الخبر قبل ثلاثة أعوام، وبعدها وبناء على توجيهات رقابية، تم التراجع عن عرضه. الفيلم يتناول مصر فى الأيام التى سبقت ثورة 25 يناير، ومن المؤكد طبقا لكل الأفلام المشابهة فى اللغة السينمائية والتى تمثل الحداثة فى التعبير، فإن الجمهور لا يفضلها، ناهيك أن بطل الفيلم خالد عبدالله برغم أنه شارك فى بطولة عدد من الأفلام العالمية مثل (الطائرة الورقية) و(المنطقة الخضراء) و(يونايتد 93) وغيرها إلا أنه غير معروف للجمهور، وبالتالى لا يوجد احتمال لإقبال جماهيرى، ولو عرض الفيلم فلن يلاحظه سوى جمهور سينما (زاوية) 200 كرسى على أكثر تقدير.
لم يكن المخرج تامر السعيد فى حصافة زميله محمد دياب، عندما رشح دياب لعرض فيلمه «اشتباك» فى قسم (نظرة ما) بمهرجان (كان)، وتقرر أيضا أن يفتتح هذا القسم، سارع بالتقدم للرقابة المصرية التى وافقت عليه وبلا حذف، وعند عرضه داخليا لم تتراجع، فقط اشترطت وضع إشارة فى مقدمة الفيلم ولم يتم حذف أى لقطة.
الرقابة فى مصر فيما يتعلق بعروض الأفلام غير المصرية تتجاوز أحيانا وبهامش محدود عن لقطات بها عرى أو علاقات سحاقية بين امرأتين، ولكنها تتحفظ فقط فى الأفلام التى تتناول أو تقترب من الكنيسة مثل (برحمة الرب)، الذى يتناول الاعتداء على الأطفال فى الكنيسة سبق أن تناولناه قبل يومين، وأيضا ستتحفظ على عرض الفيلم المقدونى (الرب موجود ولكن اسمه بترونيا) المرشح بقوة لجوائز التمثيل والإخراج وأحسن فيلم، وهو وإن كنت أستبعد عرضه فى أى مهرجان مصرى، إلا أنه غير مستبعد على الإطلاق من تناوله قريبا فى تلك المساحة.