هل سنترك لأحفادنا تراثاً؟

يبدو التساؤل وكأنه غريب يثير الشجون لدى الأجيال الحالية، هذه الشجون تأتى من ولعها بالماضى والأمل فى المستقبل، لكننا فى حقيقة الأمر نعتز بماضينا حتى القريب منه، ليبقى السؤال محل نظر: لماذا لن نترك تراثاً للأجيال القادمة؟

فى جيلنا إذا نظرنا هنا وهناك فسنجد أن المصريين لديهم تساؤل أعمق: هل الفنون والآداب محل اعتبار ونظر جدى أم أنها صارت سطحية كشاشة الهاتف المحمول الذى نتلقى منه اليوم معارفنا؟.

وبالتالى، فنحن على الصعيد العام القبح والجمال صارا متساويين لأن القبيح صار هو الغالب على المشهد، فليس هناك حوار جدى ولا فكر عميق ولا نظر وتأمل للمشهد العام، خذ على سبيل المثال التماثيل فى الميادين التى شوّهت المشهد العام، ولولا تماثيل نُصبت فى عهد الوزير فاروق حسنى مثل تمثالى نجيب محفوظ وطه حسين لقلنا إننا فى بلد المعايير الجمالية فيه ضائعة، وهذا استثناء أيضاً، على صعيد آخر قارن بين بناية دار القضاء العالى فى وسط القاهرة ومجمع المحاكم والنيابات فى القاهرة الجديدة، فستكتشف على الفور الفارق البيِّن بين ما شُيِّد فى أعقاب ثورة 1919 وما شُيِّد منذ سنوات قليلة.

انظر إلى هذا الحوار المعمارى فى القاهرة، الذى كان يعكس رؤى وفلسفة المجتمع بين ضريح سعد زغلول الذى شُيِّد على النمط الفرعونى، معبراً عن فكرة مصر للمصريين، وبين بناية نقابة الأطباء التى شُيِّدت على الطراز الإسلامى الحديث، باحثة عن عمق الحضارة الإسلامية فى مجتمعنا.

والسؤال هنا: ماذا سنترك من تراث أدبى وفكرى ومعمارى؟ إذا نظرت هنا وهناك ستجد نزراً يسيراً يُعد على أصابع اليد، فالسطحية ظاهرة فى واجهات البنايات، دقِّق النظر فى أحد الفنادق التى شُيِّدت حديثاً على كورنيش الإسكندرية ليحل محل أحد الفنادق التاريخية، الواجهة والبناية لا تنم عن شىء يُذكر وليست علامة مميزة، وإلا لتسابقت عليها وسائل الإعلام لتكون فى خلفية المشهد.

إن هذا يجعلنا أن نطرح ضرورة استدراك الأمر، فالبنية المعرفية لمجتمعنا باتت فى حاجة إلى مزيد من العمق، هذا ما ينعكس فى كون العلم ليس أحد الموضوعات المتصدرة للمشهد، فلا أحد يسأل: أين الفلسفة فى المجتمع المصرى؟، بل تعبر عن هذا طوابير فى معارض الكتب، كتب وروايات بلا مضمون، وهذا ما يشكل وهم القراءة، ووهم الأكثر مبيعاً.

على جانب آخر، الأحياء فى المدن التى تمنح تراخيص البنايات غير معنية باشتراطات الواجهات من الناحية الجمالية، فذاع القبح فى شوارعنا، بل إن مخالفات البنايات جعلت القبح سمة عامة، إن إنشاء عمارة سكنية قبيحة بناء سيستمر فى ذاكرتنا البصرية، بينما لو أُلِّف كتاب أو رواية أو ديوان شعر دون المستوى فسيندثر بمرور الوقت، لذا فقبح البناء أبشع من قبح الإنتاج الفكرى.

إذا أردت أن تعرف الأمر عن قرب، فانظر إلى شارعك، حيك، تعال معى لنتأمل «مدينة نصر»، إذا حذفنا منه النصب التذكارى حيث دُفن السادات، فلا معلم واضح وبارز، حتى الجمعية التاريخية انزوت على نفسها وحاصرتها سوق للخضار والفاكهة، بل ستضحك معى حين تعلم أن «التجمع الخامس» أو «القاهرة الجديدة» بلا معالم أو شخصية معمارية واضحة، أقرب إلى المسخ، يُغريك تنظيمه، لكن لو دقَّقت النظر فلن تجد فيه شيئاً ذا معالم ماعدا الجامعة الأمريكية، ومن المدهش أن كلاً من «مدينة نصر» و«القاهرة الجديدة» بلا مكتبات عامة أو قصور ثقافة كأنهما يعبران عن الرأسمالية المتوحشة، مجتمعات لا تُقيم للثقافة والعلم وزناً ولا قيمة، فلم نجد يوماً مَن يسأل مَن خططوا مدينة نصر والقاهرة: أين نصيب المواطن من هذا؟

والمدهش أن سكان مدينة نصر والقاهرة الجديدة لا يسألون أيضاً، ولذا ليس من الغريب أن يتوطن التطرف الفكرى بهما، هل رأيتَ يوماً مسرحاً عاماً فى مدينة نصر أو فى القاهرة الجديدة؟ لا يوجد، أو قاعات للفنون؟ لا يوجد، أو ميدان به تمثال أو عمل فنى لفنان متميز؟ لا يوجد.

ويبقى السؤال: إذاً هل سنترك لأحفادنا تراثاً؟

التعليقات